بازگشت

مناقب الامام علي الهادي


حينما يتعرف الانسان المسلم علي بعض تفاصيل حياة الأئمة الأطهار عليهم السلام، و ينظر بعقله و فكره كبر ايمانهم، و صدق عبادتهم، و وفائهم لدينهم الذي ارتضاه الخلاق العظيم لعباده الصالحين، يتبين صغر أعمالنا، و ضآلة مقدارنا، و تقصيرنا اتجاه خالقنا جل جلاله، و عدم وفائنا في تقديم ما يتوجب علينا تقديمه لهادينا الي طريق التوحيد و الفضيلة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فتهيم أنفسنا في بيداء الندم و تعذيب الضمير و محاولة الاستقامة و اخلاص العبادة، و مهما حاولنا، و مهما أصلحنا من ذاتنا و أعمالنا، يبقي الصراع في داخلنا بين الخوف و الرجاء، و بين الرفض و القبول، و بين الثواب و العقاب، خوف من العذاب و سوء المنقلب، و رجاء بالعفو و الغفران، الا أن الضمير لا يهدأ له لوم و تعذيب بما أسرفنا، و خوفنا من رفض خالقنا لأعمالنا، و أملنا في قبوله جل جلاله رحمة منه تعالي بعبده و قضاؤه علي نفسه بالغفران لمن يخلص التوبة و الانابة، فننال منه جل جلاله ثوابا علي ما استقرت به أنفسنا من الرجاء بغفرانه تعالي و عفوه، فنسلم من عقابه و عذابه، فهو سبحانه حسبنا و نعم الوكيل و نعم



[ صفحه 64]



الرحمن الرحيم الذي لا يخيب راجيا، و لا يرد سائلا، و لا يفشل ثائبا التجأ اليه، فنسأله تعالي بعظمته التي هو عليها، أن لا يخيب لنا رجاء، و لا يرد لنا سؤال، و لا يفشلنا في التجائنا اليه بعد أن أيقنا بسوء أعمالنا، و تعرفنا علي افراطنا، و نرجوه جل جلاله و نتوسل اليه و نقول قول سيدنا و امامنا أميرالمؤمنين عليه السلام.

الهي، أنت ربي و أنا عبدك، آمنت بك مخلصا لك علي عهدك و وعدك ما استطعت، أتوب اليك علي عهدك من سوء عملي، و استغفرك لذنوبي التي لا يغفرها غيرك.

أصبح ذلي مستجيرا بعزتك، و أصبح فقري مستجيرا بغناك، و أصبح جهلي مستجيرا بحلمك، و أصبحت قلة حيلتي مستجيرة بقدرتك، و أصبح خوفي مستجيرا بأمانك، و أصبح دائي مستجيرا بدوائك، و أصبح سقمي مستجيرا بشفائك، و أصبح حيني مستجيرا بقضائك، و أصبح ضعفي مستجيرا بقوتك، و أصبح ذنبي مستجيرا بمغفرتك، و أصبح وجهي الفاني البالي مستجيرا بوجهك الباقي الدائم الذي لا يبلي و لا يفني... [1] .

الهي، ارحم غربتنا اذا تضمنتنا بطون لحودنا، و عميت علينا باللبن سقوف بيوتنا، و أضجعنا علي الأيمان في قبورنا، و خلفنا فرادي في أضيق المضاجع، و صرعتنا المنايا في أنكر المصارع، و صرنا في ديار قوم كلها مأهولة و هي منهم بلاقع.

الهي، فاذا جئناك عراة مغبرة من ثري الأجداث رؤوسنا، و شاحبة من تراب الملاحد وجوهنا، و خاشعة من أهوال القيامة



[ صفحه 65]



أبصارنا، و جائعة من طول القيام بطوننا، و بادية هناك للعيون سوءاتنا، و مثقلة من أعباء الأوزار ظهورنا، و مشغولين بما دهانا عن أهلينا و أولادنا، فلا تضاعف علينا المصائب باعراض وجهل الكريم عنا، و سلب عائدة ما مثله الرجاء منا...

يا خير من دعاه داع، و أفضل من رجاه راج، بذمة الاسلام أقبلت اليك، و بحرمة القرآن أعتمد عليك، و بمحمد أتقرب اليك، فصل علي محمد، و علي آل محمد، و اعرف لي ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي، و استعملني بطاعتك، و اختم لي بخير، و اعتقني من النار، و اسكني الجنة، و لا تفضحني بسريرتي حيا و لا ميتا، وهب لي الذنوب التي فيما بيني و بينك، و ارض عبادك عني في مظالمهم قبلي، و اجعلني ممن رضيت عنه، فحرمته علي النار و العذاب، و اصلح لي كل أموري التي دعوتك فيها في الآخرة و الدنيا.

يا حنان يا منان، يا ذاالجلال و الاكرام، يا حي يا قيوم، يا من له الخلق و الأمر، تباركت يا أحسن الخالقين، يا رحيم، يا كريم، يا قدير، صل علي محمد و علي آله الطيبين، و عليه و عليهم السلام و رحمة الله و بركاته، انه حميد مجيد [2] .

و هنا التفت الأب لأبنائه فوجدهم و اجمعين منكسرين، تترقرق في عيونهم دموع لم تشأ أن تسيل علي الخدود، فسألهم الأب بلهفة كبيرة: ما بكم؟

فقال الابن الأكبر: لا شي ء يا أبي، و لكن ما بك أنت؟ فانا نراك و كأن شيئا كبيرا قد أهمك و شغل بالك.



[ صفحه 66]



فقال الأب: و قد اطمأن الي أن أبناؤه لا شي ء يقلقه أصابهم: كنت أتفكر يا أبنائي بعظمة آل البيت النبوي الأطهار عليهم السلام، و دنو الآخرين من الناس.

فقال الابن الأكبر: و لماذا لا تحدثنا عن بعض هذه العظمة يا أبي؟

فقال الأب: سبق و أن حدثتكم عن عظمتهم عليهم السلام، و سأبقي أحدثكم كلما وجدت لذلك سببا، فهم أسوتنا بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نتوسل الي الله في أن يهدينا سواء السبيل الذي يرتضيه سبحانه و تعالي لعباده الصالحين.

ثم قال الأب: و للتعرف علي عظمة الامام علي الهادي عليه السلام مثلا، علينا أن نطرق أبواب مناقبه عليه السلام و الذي منها ما روي عن جماعة كثيرين قالوا: كانت زينب الكذابة تزعم أنها ابنة علي بن أبي طالب عليه السلام.

فاحضرها المتوكل العباسي و قال لها: اذكري نسبك، فقالت: أنا زينب ابنة علي، و أنها حملت الي الشام فوقعت الي بادية من بني كليب، فأقامت بين ظهرانيهم، فقال لها المتوكل، ان زينب بنت علي قديمة، و أنت شابة؟

فقالت: لحقتني دعوة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بأنه يرد شبابي في كل خمسين سنة.

فدعي المتوكل وجوه آل أبي طالب، فقال: كيف يعلم كذبها؟ فقال الفتح بن خاقان: لا يخبرك بهذا الا ابن الرضا عليه السلام (يعني الامام علي الهادي عليه السلام).



[ صفحه 67]



فأمر المتوكل باحضار الامام علي الهادي عليه السلام، و سأله:

فقال الامام علي الهادي عليه السلام: ان في ولد علي عليه السلام علامة:

قال المتوكل: و ما هي؟

قال الامام عليه السلام: لا تعرض لهم السباع، فالقها الي السباع، فان لم تعرض لها فهي صادقة.

فقال المتوكل لها: ما تقولين؟ قالت: انه يريد قتلي.

فقال الامام الهادي عليه السلام: فهنا جماعة من ولد الحسن و الحسين عليه السلام، فانزل من شئت منهم.

قال الراوي: فو الله، لقد تغيرت وجوه الجميع، فقال بعض المبغضين: هو يحيل علي غيره، لم لا يكون هو؟

فقال المتوكل و قد رجا أن يذهب أبي الحسن عليه السلام من غير أن يكون له في أمره صنع: يا أباالحسن، لم لا تكون أنت ذلك؟

فقال عليه السلام: ذاك اليك، فقال المتوكل: افعل.

قال الراوي: فأتي بسلم و فتح عن السباع و كانت ستة من الأسد، فنزل أبوالحسن عليه السلام اليها، فلما دخل اليها، و جلس صارت الأسود اليه، فرمت بأنفسها بين يديه، و مدت بأيديها، و وضعت رؤوسها بين يديه، فجعل عليه السلام يمسح علي رأس كل واحد منها، و يشير اليه بيده الي الاعتزال، فيعتزل ناحية، حتي اعتزلت كلها، و قامت بازائه.

فقال للمتوكل وزيره: ما هذا صوابا، فبادر باخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره.



[ صفحه 68]



فقال المتوكل للامام عليه السلام: يا أباالحسن، ما أردنا بك سوء، و انما أردنا أن نكون علي يقين مما قلت، فأحب أن تصعد.

فقام الامام الهادي عليه السلام و صار الي السلم، و الأسود من حوله تتمسح بثيابه، فلما وضع رجله علي أول درجة التفت اليها، و أشار بيده أن ترجع، فرجعت و صعد عليه السلام، فقال عليه السلام: كل من زعم أنه من ولد فاطمة عليه السلام فليجلس في ذلك المجلس، فقال المتوكل للمرأة: انزلي، فقالت: الله الله ادعيت بالباطل، و أنا بنت فلان، حملني الضر علي ما قلت.

فقال المتوكل: القوها الي السباع، فاستوهبتها والدته، و في رواية: أنها طرحت للسباع فأكلتها [3] .

ثم قال الأب: و من مناقبه عليه السلام أيضا ما روي عن ابن أرومة قال: خرجت أيام المتوكل الي سر من رأي، فدخلت علي سعيد الحاجب، و كان المتوكل قد دفع أباالحسن عليه السلام اليه ليقتله، فلما دخلت عليه قال: أتحب أن تنظر الي الهك؟ قال ابن أرومة: فقلت: سبحان الله الذي لا تدركه الأبصار، فقال سعيد: هو الذي تزعمون أنه امامكم، قال ابن أرومة: فقلت: ما أكره ذلك، قال سعيد الحاجب: قد أمرت بقتله، و أنا فاعله غدا، و عنده صاحب البريد، فاذا خرج فادخل اليه.

قال ابن أرومة: فلم ألبث أن خرج، فقال سعيد: ادخل، فدخلت الدار التي كان فيها الامام عليه السلام محبوسا، فاذا بحياله قبر



[ صفحه 69]



محفور، فدخلت و سلمت و بكيت بكاء شديدا، فقال الامام عليه السلام: ما يبكيك؟ فقلت: لما أري، فقال عليه السلام: لا تبك لذلك، لا يتم لهم ذلك، قال ابن أرومة: فسكن ما كان بي، ثم قال الامام الهادي عليه السلام: انه لا يلبث أكثر من يومين حتي يسفك الله دمه و دم صاحبه الذي رأيته فقال ابن أرومة: فوالله، ما مضي غير يومين حتي قتل المتوكل [4] .

ثم قال الأب: و في رواية عن صقر بن أبي دلف الكرخي قال: لما حمل المتوكل سيدنا أباالحسن العسكري عليه السلام، جئت اسأل عن خبره، فنظر الي الزراقي و كان حاجبا للمتوكل، فأمر أن أدخل اليه، فأدخلت اليه فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خيرا أيها الأستاذ، فقال: اقعد.

قال صقر: فأخذني ما تقدم و ما تأخر، و قلت أخطأت في المجيي ء، ثم وجي ء الناس عنه، فقال لي: ما شأنك؟ و فيم جئت؟ قلت: لخير ما، فقال الزراقي لي: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ قال صقر: فقلت له: و من مولاي؟ مولاي أميرالمؤمنين، فقال: اسكت، مولاك هو الحق، فلا تحتشمني، فاني علي مذهبك، فقلت: الحمدلله، فقال: أتحب أن تراه؟ فقلت: نعم، قال: اجلس حتي يخرج صاحب البريد من عنده، قال صقر: فجلست، فلما خرج، قال لغلام له: خذ بيد صقر، و ادخله الي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، و خل بينه و بين الحجرة، ثم قال صقر: فادخلني الحجرة، و أومأ الي بيت فدخلت، فاذا هو عليه السلام جالس علي صدر حصير، و بحذائه قبر محفور، قال صقر: فسلمت عليه، فرد علي،



[ صفحه 70]



ثم أمرني بالجلوس، ثم قال عليه السلام لي: يا صقر، ما أتي بك؟ قلت: سيدي، جئت أتعرف خبرك، قال صقر: ثم نظرت الي القبر فبكيت، فنظر عليه السلام الي فقال: يا صقر، لا عليك، لن يصلوا الينا بسوء الآن، قال صقر: فقلت: الحمدلله، ثم قلت: يا سيدي: و ذكر سؤالا و جوابا الي أن قال: ثم قال عليه السلام: ودع و اخرج، فلا آمن عليك [5] .

ثم قال الأب: و كما سبق و أن ذكرت لكم: أن ليس المتوكل وحده ممن حاول قتل الامام علي الهادي عليه السلام، و انما فعل ذلك كل من جاء بعد المتوكل، و ما ذكرنا لفعال المتوكل الا لتكون نموذجا لما كان يجري علي آل البيت عليهم السلام من الخلفاء العباسيين، الا أن الله تبارك و تعالي كان يظهر الناس من أفضال آل البيت و كراماتهم و مناقبهم كي يكون كل ذلك حجة علي الناس يوم القيامة، (و ما كان لنبي أن يغل و من يغلل يأت بما غل يوم القيمة ثم توفي كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون (161)) [6] .

فقال الابن الأكبر: ثم كان قضاء الله تعالي أن يستشهد الامام علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا عليهم السلام علي يد المعتمد العباسي.

فقال الأب: نعم يا ولدي، و كان ذلك في سامراء، و دفن عليه السلام في داره، في يوم الاثنين ثالث شهر رجب، كما روي عن علي بن ابراهيم و ابن عياش، أما ابن الخشاب فقال: ان وفاته عليه السلام كانت خامس و عشرين من شهر جمادي الآخرة. و في



[ صفحه 71]



رواية أخري أن وفاته عليه السلام كانت في السابع و العشرين من جمادي الآخرة، و قيل في السادس و العشرين منه، و كان له عليه السلام من العمر حينئذ أربعين سنة، و في رواية احدي و أربعين سنة و أشهر.

فقال الابن الأكبر: و كم كان له من الأولاد يا أبي؟

فقال الأب: هذا ما سنتحدث عنه يوم غد ان شاء الله تعالي.



[ صفحه 72]




پاورقي

[1] أخذنا ذلك من دعائه عليه السلام كما ورد في الصحيفة الأولي: ص 129، رقم 53.

[2] أخذت لك من مناجاة أميرالمؤمنين عليه السلام كما رواه القضاعي.

[3] روي ذلك ابن شهر آشوب في المناقب. و كذلك القطب الراوندي. و ذكر الرواية السيد عبدالله شبر في كتابه جلاء العيون: ج 3، ص 127. و ابن حجر في الصواعق المحرقة: ص 203، بتصرف.

[4] رواها الراوندي في الخرائج عن ابن أرومة.

[5] رواه الصدوق في العلل و الخصال عن صقر بن أبي دلف الكرخي.

[6] سورة آل عمران: الآية: 161.