بازگشت

خصائص الامام الهادي


كان الابن الأكبر قد خرج مع أبيه هذا اليوم، و قد دارت بينهما أحاديث شتي، و كان آخرها جواب الأب عن سؤال طرحه ابنه الأكبر عليه قائلا: كثيرا ما سمعت منك و أنت تحدثنا اصطلاحا تطلقه علي آل بيت النبي الأطهار و هو: امتاز آل البيت عن غيرهم من الناس، أو قولك ميزهم الله دون غيرهم، فما تعني بكلمة امتاز آل البيت، أو ميزهم الله؟

فقال الأب: اعلم يا ولدي أن لكل فرد من البشر صفات يعرف بها، كقولنا أن فلانا كريما و نقول أن فلانا شجاعا أو أنه يأبي الضيم أو وفيا، و غير ذلك من الصفات سواء كانت من مكارم الأخلاق و محاسن الفعال أو علي العكس من ذلك، المهم أنها صفات اتصف بها ذلك الشخص، و حينما تكون هذه الصفات ميزة له نقول حينها أنه امتاز بكذا، أو أن الله ميزه بكذا من الصفات.

و حينما تجتمع مجموعة من الصفات في شخص معين يعرفه الناس بها، نقول حينها أن تلك الصفات من خصائص فلان.



[ صفحه 73]



فمثلا آل البيت قد امتازوا بصفات عرفوا بها كالايمان و الاستعداد للتضحية و الجهاد و الصدق بالعهد و العلم و غيرها من الصفات الحميدة كالكرم و السخاء و الوفاء الي غير ذلك.

و الآن دعني أسألك هل من الناس من حمل ايمان كايمان الأئمة الأطهار من آل البيت؟

فقال الابن الأكبر: كلا بالطبع.

فقال الأب: اذا فهم عليهم السلام قد امتازوا بالايمان الصادق و المطلق بالله تعالي، و أن ليس في الناس من حمل كايمانهم.

فقال الابن الأكبر: الآن قد أصبح الأمر واضحا بالنسبة لي يا أبي.

كان هذا الحديث هو الدائر بين الأب و ابنه و هم في طريقهم الي البيت، و بانتهائه كانوا قد وصلوا بيتهم و دخلوا مسلمين علي من فيه، فتلقاهم الأخوة و أمهم بالترحاب، و ساروا جميعا متوجهين الي الغرفة التي اعتادوا الجلوس فيها.

أخذ كل منهم مكانه، و بدأ الأب حديثه هذا اليوم فقال: سنتحدث اليوم عن بعض خصائص الامام الهادي عليه السلام الذي امتاز بها علي غيره من الناس في وقته.

فقال الابن الأكبر لأبيه: لماذا قلت امتاز بها علي غيره من الناس في وقته؟

فقال الأب: اذا قلت امتاز بها علي غيره من الناس، أكون قد أخطأت في القول، لأن ذلك سيعني كل الناس، سواء من كانوا قبله و من كانوا في وقته و كذلك من كانوا بعده و هو عليه السلام لم يتميز علي



[ صفحه 74]



غيره من الأئمة قبله و لا بعده لكونهم قد حملوا نفس الخصائص الذي حملها عليه السلام، فكيف يمتاز عليهم و خصائصهم واحدة.

ثم تابع الأب حديثه فقال: ان آل البيت الأطهار هم أعلم الناس و هذا ما سبق و أن تحدثنا عنه و قدمنا أمثلة عديدة عليه، و منها علمهم عليهم السلام بما كان و ما يكون، ورثوه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم علمه اياه جبرئيل عليه السلام عن الله جل جلاله، و كمثال علي ذلك تضيفه الي ما قدمناه من أمثلة: ما روي عن الأسباطي قال: قدمت علي أبي الحسن بن محمد عليهماالسلام المدينة الشريفة من العراق، فقال عليه السلام: ما خبر الواثق عندك؟

فقلت: خلفته في عافية، و أنا من أقرب الناس به عهدا، و هذا مقدمي من عنده، و تركته صحيحا.

فقال عليه السلام: ان الناس يقولون أنه قد مات.

قال الأسباطي: فلما قال عليه السلام ان الناس يقولون أنه قد مات فهمت أنه عليه السلام يعني نفسه، فسكت.

ثم قال عليه السلام: ما فعل ابن الزيات؟

قلت: الناس معه، و الأمره أمره.

فقال عليه السلام: أما أنه شؤم عليه، ثم قال عليه السلام: لا بد أن تجري مقادير الله و أحكامه، يا جبر، ان الواثق قد مات، و جلس جعفر المتوكل، و قتل ابن الزيات.

قال الأسباطي: فما كان الا أيام قلائل حتي جاء قاصد المتوكل الي المدينة، فكان كما قال عليه السلام [1] .



[ صفحه 75]



ثم قال الأب: أما أن تحدثنا عن المكارم فآل البيت الأطهار هم أعلامها، و أسوة الناس فيها، فمن أمثلة كرمه عليه السلام ما رواه ابن شهر آشوب في كتابه المناقب فقال: دخل أبوعمر و عثمان بن سعيد و أحمد بن اسحاق الأشعري و علي بن جعفر الهمداني، علي أبي الحسن عليه السلام، فشكا اليه أحمد بن اسحاق دينا عليه، فقال عليه السلام: يا عمرو (و كان وكيله)، ادفع اليه ثلاثين ألف دينار، و الي علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار.

و يروي أن أباالحسن عليه السلام خرج من سر من رأي الي قرية له لمهم، فجاء رجل من بعض الأعراب يطلبه في داره، فلم يجده، و قيل له: انه ذهب الي الموضع الفلاني، فقصد الي ذلك الموضع، فلما وصل اليه، فقال عليه السلام: ما حاجتك؟ فقال الأعرابي: أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدك علي بن أبي طالب عليه السلام، و قد ركبتني الديون، و أثقلت ظهري بحملها، و لم أر من أقصده لقضائها الا أنت.

فقال أبوالحسن عليه السلام: طب نفسا و قر عينا، يقضي دينك ان شاء الله تعالي، ثم أنزله، فلما أصبح قال عليه السلام له: يا أخا العرب، أريد منك حاجة، لا تعصيني فيها، و لا تخالفني، و الله الله فيما آمرك به، و حاجتك تقضي ان شاء الله تعالي، فقال الأعرابي: لا أخالفك في شي ء مما تأمرني به، فأخذ أبوالحسن ورقة، و كتب فيها بخطه دينا عليه للأعرابي بالمبلغ المذكور، و قال له: خذ هذا الخط معك، فاذا حضرت الي سر من رأي فتراني أجلس، فتعال الي بالخط، و طالبني، و اغلظ علي في القول و الطلب.

فلما وصل أبوالحسن عليه السلام الي سر من رأي، جلس مجلسا



[ صفحه 76]



عاما، و حضره وجوه من الناس، و أصحاب الخليفة المتوكل، فجاء الأعرابي، و أخرج الورقة، و طالب بالمبلغ، و أغلظ عليه في الكلام، فجعل أبوالحسن عليه السلام يعتذر، و يطيب نفسه بالقول، و يعده بالخلاص، و كذلك الحاضرون، و طلب منه المهلة ثلاثة أيام، فلما انفك المجلس، نقل ذلك الي الخليفة المتوكل، فأمر لأبي الحسن علي الفور بثلاثين ألف درهم، فلما حملت اليه تركها الي أن جاء الأعرابي، فقال عليه السلام له: خذها جميعها، فقال الأعرابي: يابن رسول الله، و الله أن العشرة بلوغ مطلبي، و نهاية أربي، فقال أبوالحسن عليه السلام: و الله، لتأخذن ذلك جميعه و هو رزقك ساقه الله لك، و لو كان أكثر من ذلك ما نقصناه، فأخذ الأعرابي الثلاثين ألف درهم و انصرف، و هو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته [2] .

ثم قال الأب: أما أن تحدثنا عن هيبته، فيكفي أن نقول ان الله جل جلاله قد اصطفاه للامامة، و هي كافية أن تكسب صاحبها من الوقار و الهيبة الشي ء الكثير، و مصداق ذلك ما روي عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي: أنه كان مع جماعة من الناس علي باب المتوكل، فأقبل أبوالحسن، فترجل الناس كلهم حتي دخل عليه السلام.

فقال بعضهم لبعض: لمن نترجل؟ ألهذا الغلام؟ فما هو بأكبرنا سنا، و الله، لا نترجل له مرة أخري.

فقال أبوهاشم الجعفري: و الله، لتترجلن له اذ رأيتموه، فما هو الا أن أقبل، و بصروا به، حتي ترجل له جميع الناس في ذلك الموضع.



[ صفحه 77]



فقال لهم أبوهاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟

فقالوا: و الله، ما ملكنا أنفسنا حتي ترجلنا.

قال الأب: و لا غرابة في كل ذلك يا أبنائي ما دام قضاه الله تعالي قد حصل في أن يكون الهادي علي بن محمد عليهماالسلام حجة الله في أرضه، اضافة الي حججه من الأئمة الذي سبقوا الهادي عليه السلام، و لا ضير في أن يكون صبيا أم شابا أم كهلا، ما جاء ذكره علي لسان أحد الا و قال فيه أحسن ما يقال، و ذكره أجمل ذكر، فهذا القطب الراوندي يقول فيه: و أما علي بن محمد الهادي، فقد اجتمعت فيه خصال الأمانة، و تكامل فضله و علمه و خصاله الخيرة، و كانت أخلاقه كلها خارقة للعادة، كأخلاق آبائه [3] .

و هذا ابن شهر آشوب قال في مناقبه: و كان (يعني الامام الهادي عليه السلام) أطيب الناس مهجة، و أصدقهم لهجة، و أملحهم من قريب، و أكملهم من بعيد، اذا صمت علته هيبة الوقار، و اذا تكلم سماه البهاء، و هو من بيت الرسالة و الامامة، و مقر الوصية و الخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتقاة مرتضاة، و ثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة.

ثم قال الأب: و كل ما قيل في آل البيت النبوي الأطهار فهو دون حقهم، لأن من هو دونهم ليس بمقدوره أن يصفهم أو لهم حقهم، ولكي لا نبخسهم هذا الحق نستذكر ما قاله فيهم رسول الله محمد صلي الله عليه و آله و سلم حين قرنهم بكتاب الله جل جلاله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و حين شبههم بسفينة نوح



[ صفحه 78]



التي من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق و هوي، و حين مثلهم بباب حطة في بني اسرائيل التي من دخلها غفر له، و حين قال فيهم صلي الله عليه و آله و سلم: لا تتقدموهم فتهلكوا و لا تتخلفوا عنهم فتهلكوا و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم.

و صمت الأب قليلا، ثم قال: نكتفي بما تحدثنا به اليوم، و موعدنا يوم غد ان شاء الله.



[ صفحه 79]




پاورقي

[1] رواه الشبلنجي في نور الأبصار: ص 165 طبعة القاهرة.

[2] رواه الشبلنجي في نور الأبصار: ص 165.

[3] الخرائج و الجرائح: للقطب الراوندي، ج 3، ص 22.