بازگشت

سبب اشخاصه من المدينة


روي أن بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين كتب الي المتوكل : ان كان لك في الحرمين (يعني مكة و المدينة) حاجة فأخرج علي بن محمد منها فانه قد دعا الناس الي نفسه و اتبعه خلق كثير، ثم كتب اليه بهذا المعني زوجة المتوكل [1] ، كما أن بريحة تابع الكتب في هذا المعني [2] .

و جاء في الارشاد : أنه كان سبب شخوص أبي الحسن عليه السلام من المدينة الي سر من رأي أن عبدالله بن محمد كان يتولي الحرب و الصلاة في مدينة الرسول صلي الله عليه و آله فسعي بأبي الحسن الي المتوكل، و كان يقصده بالأذي، و بلغ أباالحسن عليه السلام سعايته به فكتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد عليه و كذبه فيما سعي به، فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه و دعائه فيه الي حضور العسكر [3] علي جميل من



[ صفحه 83]



الفعل و القول [4] .

فنفذ اليه يحيي بن هرثمة و معه الكتاب يعرفه أنه قد اشتاق اليه و سأله القدوم عليه... و كتب الي بريحة يعرفه ذلك [5] .

و في الواقع كان عمل المتوكل نفاقا سياسيا و خداعا محضا لأنه من أشد الناس عداوة لعلي و ذريته عليهم السلام، فسؤاله القدوم عليه له وجوه.

أولا : كان تصديقا لما كتبه اليه عامله و بقية السعاة، و ثانيا : بجلبه عليه السلام الي سامراء تكون جميع حركات الامام و سكناته ملحوظة من قبل عيونه. و ثالثا : عدم تمكن القواعد الشعبية من مواليه الاستفادة من وجوده الشريف بحرية تامة و الي غير ذلك من الوجوه، و يؤيد ما قلنا ما أورده سبط ابن الجوزي في التذكرة : قال علماء السير : و انما أشخصه المتوكل من مدينة الرسول الي بغداد، لان المتوكل كان يبغض عليا و ذريته، فبلغه مقام علي بالمدينة، و ميل الناس اليه، فخاف منه، فدعي يحيي بن هرثمة، و قال : اذهب الي المدينة، و انظر في حاله و أشخصه الينا [6] ... فخرجت نسخة الكتاب و هي :

«بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فان أميرالمؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر من الامور فيك و في أهل بيتك ما يصلح الله به حالك و حالهم، و يثبت به [من] عزك و عزهم، و يدخل الأمن عليك و عليهم يبتغي بذلك رضا ربه، و أداء ما فرض عليه فيك و فيهم.

فقد رأي أميرالمؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولي من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول، اذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك، و استخفافه بقدرك، و عندما قرفك به و نسبك اليه من الأمر الذي قد علم أميرالمؤمنين براءتك منه و صدق نيتك في



[ صفحه 84]



برك و قولك و أنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه.

و قد ولي أميرالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، و أمره باكرامك و تبجيلك، و الانتهاء الي أمرك و رأيك، و التقرب الي الله و الي أميرالمؤمنين بذلك، و أميرالمؤمنين مشتاق اليك، يحب احداث العهد بك، و النظر الي وجهك.

فان نشطت لزيارته و المقام قبله ما أحببت، شخصت و من اخترت من أهل بيتك و مواليك و حشمك علي مهلة و طمأنينة، ترحل اذا شئت، و تنزل اذا شئت و تسير كيف شئت، فان أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أميرالمؤمنين و من معه من الجند يرحلون برحيلك، و يسيرون بمسيرك، فالأمر في ذلك اليك، و قد تقدمنا اليه بطاعتك.

فاستخر الله حتي توافي أميرالمؤمنين فما أحد من اخوته و ولده و أهل بيته و خاصته ألطف منه منزلة و لا أحمد له أثرة و لا هو لهم أنظر، و عليهم أشفق، و بهم أبر، و اليهم أسكن منه اليك، و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

و كتب ابراهيم بن العباس في جمادي الاخري سنة ثلاث و أربعين و مائتين [7] .

و أمر يحيي بالمسير اليه [8] و قال له : اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا الي الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها، و اخرجوا الي طريق البادية الي المدينة، فأحضروا علي بن محمد بن الرضا الي عندي مكرما معظما مبجلا [9] .

قال يحيي : ففعلت و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة [10] و كان لي كاتب يتشيع و أتا علي مذهب الحشوية [11] و كان الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح الي مناظرتهما لقطع الطريق.



[ صفحه 85]



فلما صرنا الي وسط الطريق قال الشاري للكاتب : أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة الا و هي قبر أو سيكون قبرا؟ فانظر الي هذه البرية [12] أين من يموت فيها حتي يملأها الله قبورا كما تزعمون؟ قال : فقلت للكاتب : هذا من قولكم؟ قال : نعم، قلت : صدق أين [من] [13] يموت في هذه البرية العظيمة حتي تمتلي ء قبورا و تضاحكنا ساعة اذ انخذل الكاتب في أيدينا [14] .

فقدم يحيي المدينة، و بدأ ببريحة، و أوصل الكتاب اليه، ثم ركبا جميعا الي أبي الحسن عليه السلام و أوصلا اليه كتاب المتوكل فاستأجلها ثلاثة أيام [15] .


پاورقي

[1] البحار 50 : 209 / 23.

[2] أعيان الشيعة 38 : 2.

[3] العسكر : هو سامراء.

[4] البحار 50 : 200 / 11.

[5] البحار50 : 209 / 23 .

[6] البحار 50 : 201- الهامش 2.

[7] البحار 50 : 200 / 11.

[8] البحار 50 : 209 / 23.

[9] البحار 50 : 142 / 27.

[10] الشراة : هم الخوارج، واحده شار، سموا بذلك لقولهم : شرينا أنفسنا في طاعة الله - هامش البحار.

[11] الحشوية : لقب تحقير أطلق علي أولئك الفريق من أصحاب الحديث الذين اعتقدوا بصحة الأحاديث المسرفة في التجسيم... الخ (دائرة المعارف الاسلامية 439 : 7).

[12] أثبتناه من الخرائج، و في البحار : التربة.

[13] أثبتناه من الدمعة الساكبة.

[14] البحار 50 : 142 / 27.

[15] البحار 50 : 209 / 22 .