بازگشت

ولع المتوكل بأمر البناء


و حين جري الكلام حول جرائم المتوكل و تصرفاته اللا انسانية يجدر بنا الآن أن نشير الي جهة اخري لمعت في حياته، و هي ولعه بأمر البناء.

لقد كان المتوكل من أكثر الخلفاء العباسيين عناية بأمر البناء و تشييد القصور لنفسه و لحاشيته، و يبدو أنه كان ذا هواية كبيرة في تشييد الأبنية، و صرف المبالغ الطائلة في ذلك، فقد قام بتخطيط مدينة خارج سامراء سماها المتوكلية، و ان باء مخططه بعد صرف المبالغ الطائلة و تشييد المباني بالفشل لعدم صلاحية المكان للسكن كما هو مذكور في التاريخ، و قد نبه الامام الهادي عليه السلام لذلك كما جاء في اثبات الوصية للمسعودي حيث قال : حدث الحميري عن النوفلي قال : قال أبوالحسن عليه السلام : يا علي ان هذا الطاغية يبتدي ء ببناء مدينة لا يتم له بناؤها، و يكون حتفه فيها علي يدي بعض فراغنة الأتراك [1] .



[ صفحه 103]



و بجانب هذه الأعمال قام أيضا ببناء مساجد أمثال جامع سامراء الكبير و جامع أبي دلف كل ذلك رياءا و تمويها علي تصرفاته و اسرافه من بيت المال لامتصاص نقمة الجماهير التي كانت تعاني الفقر و الحرمان.

و من أشهر القصور التي شيدها قصر الجعفري و هو بالقرب من سامراء بموضع يسمي الماحوزة [2] ... و قد ذكره المسعودي أيضا عن النوفلي حيث قال : قال : و كان من أمر بناء المتوكل القصر المسمي (بالجعفري) و ما أمر به بني هاشم من الأبنية ما يحدث به [3] .

و نستشف من الأخبار التاريخية أن بناء القصر كلف الحاكم العباسي المتوكل أموالا طائلة، ذكر أبوالفداء : أن المتوكل أنفق في عمارته أموالا تجل عن الحصر، و قدر بمليوني دينار [4] .

و لعل من موارد التمويه ما تقدم به من عطاء الي الامام الهادي عليه السلام لبناء دار له، ففي اثبات الوصية : و وجه الي أبي الحسن عليه السلام بثلاثين ألف درهم و أمره أن يستعين بها في بناء دار فخطت و رفع أساسها رفعا يسيرا، فركب المتوكل يوما يطوف في الأبنية فنظر الي داره لم ترتفع فأنكر ذلك و قال لعبيدالله بن يحيي بن خاقان وزيره علي رد : علي يمينا [5] أكدها لئن ركبت و لم ترتفع دار علي بن محمد لأضربن عنقه، فقال له عبيدالله بن يحيي : يا أميرالمؤمنين لعله في ضيقة، فأمر له بعشرين ألف درهم، فوجه بها عبيدالله مع ابنه أحمد و قال : حدثه بما جري، فصار اليه فأخبره بالخبر، فقال : ان ركب الي البناء، فرجع أحمد بن عبيدالله الي أبيه فعرفه ذلك فقال عبيدالله : ليس و الله يركب [6] .



[ صفحه 104]



و هناك عشرات القصور التي أمر ببنائها حيث ذكر الحموي معظمها في معجمه فقد قال عند تعدادها : من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل فمن ذلك القصر المعروف بالعروس أنفق عليه (ثلاثين مليون درهم)، و القصر المختار (خمسة ملايين درهم)، و الوحيد (مليوني درهم)، و الجعفري المحدث (عشرة ملايين درهم)، و الغريب (عشرة ملايين درهم)، و الصبح و المليح كل منهما (خمسة ملايين درهم)،... و الجوسق في ميدان الصخر خمسمائة الف درهم [7] ، الي غيرها من القصور و المباني، فمن أحب أن يطلع عليها فليراجع كتب التاريخ و السير فانها مشحونة بآثار و أعمال هؤلاء.


پاورقي

[1] اثبات الوصية : 254، و الفراغنة ينتمون الي فرغانة : و هي مدينة و كورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان... بينها و بين سمرقند خمسون فرسخا (معجم البلدان 4 : 253).

[2] معجم البلدان 2 : 143.

[3] اثبات الوصية : 254.

[4] موسوعة العتبات المقدسة 12: 88.

[5] أثبتناه من الدمعة الساكبة، و في المصدر : وزيره علي، و علي يمينا.

[6] اثبات الوصية : 254 - الدمعة الساكبة 8 : 212.

[7] موسوعة العتبات المقدسة 12 : 91.