بازگشت

الامام الهادي في الحبس


و بعد سعاية السعاة ضده قرر أن يحبس الامام في سجون خاصة ارضاء لحقده الدفين، فجري عليه ما جري، و لم يتورع من تعذيبه روحيا، و حاول قتله الا أن الله حفظه من كيده، و في هذا المضمار وردت روايات نوردها هنا لنكون قد أعطينا المصادر المثبتة في ذلك.

1- البحار : عن الصقر بن أبي دلف الكرخي قال : لما حمل المتوكل سيدنا أباالحسن العسكري عليه السلام جئت أسأل عن خبره، قال : فنظر الي الزرافي [1] و كان حاجبا للمتوكل، فأمر أن ادخل اليه، فادخلت اليه، فقال : يا صقر ما شأنك؟ فقلت : خير أيها الاستاذ، قال : اقعد، [قال الصقر : ] فأخذني ما تقدم و ما تأخر [2] ،



[ صفحه 105]



و قلت : أخطأت في المجي ء.

قال : فوحي [3] الناس عنه ثم قال لي : ما شأنك و فيم جئت؟ قلت : لخبر ما [4] ، فقال : لعلك [جئت] تسأل عن [خبر] مولاك؟ فقلت له : و من مولاي؟ مولاي أميرالمؤمنين، فقال : اسكت! مولاك هو الحق فلا تحتشمني فاني علي مذهبك، فقلت : الحمدلله. فقال : أتحب أن تراه؟ فقلت : نعم، قال : اجلس حتي يخرج صاحب البريد من عنده.

قال : فجلست فلما خرج، قال لغلام له : خذ بيد الصقر و أدخله الي الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، و خل بينه و بينه، قال : فأدخلني الي الحجرة و أومأ الي بيت فدخلت فاذا هو [عليه السلام] جالس علي صدر حصير و بحذاه قبر محفور، قال : فسلمت عليه [5] فرد علي [السلام] ثم أمرني بالجلوس [فجلست] [6] ثم قال لي : يا صقر ما أتي بك؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال : ثم نظرت الي القبر فبكيت، فنظر الي فقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا الينا بسوء الآن، فقلت : الحمدلله.

ثم قلت : يا سيدي حديث يروي عن النبي صلي الله عليه و آله لا أعرف معناه، قال : و ما هو؟ فقلت : قوله صلي الله عليه و آله (لا تعادوا الأيام فتعاديكم) ما معناه؟ فقال : نعم، الأيام نحن ما قامت السماوات و الأرض.

فالسبت اسم رسول الله صلي الله عليه و آله، و الأحد كناية عن أميرالمؤمنين عليه السلام و الاثنين الحسن و الحسين عليهماالسلام، و الثلاثاء علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد عليهم السلام، و الأربعاء موسي بن جعفر، و علي بن موسي،



[ صفحه 106]



و محمد بن علي و أنا، و الخميس ابني الحسن بن علي، و الجمعة ابن ابني، و اليه تجتمع [7] عصابة الحق و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

فهذا معني الأيام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة ثم قال عليه السلام : ودع و اخرج، فلا آمن عليك [8] .

و هناك رواية اخري تشابه هذه الرواية من حيث المضمون الا أنها مختلفة من حيث المروي عنه و الشخص المنفذ لأوامر المتوكل و أنه كان من المعادين للامام عليه السلام و هي :

2- البحار : عن ابن أرومة قال : خرجت أيام المتوكل الي سر من رأي فدخلت علي سعيد الحاجب و دفع المتوكل أباالحسن اليه ليقتله، فلما دخلت عليه قال أتحب أن تنظر الي الهك؟ قلت : سبحان الله الذي لا تدركه الأبصار، قال : هذا الذي تزعمون أنه امامكم! قلت : ما أكره ذلك، قال : قد امرت بقتله، و أنا فاعله غدا، و عنده صاحب البريد، فاذا خرج فادخل اليه و لم ألبث أن خرج، قال : ادخل.

فدخلت الدار التي كان فيها محبوسا فاذا بحياله قبر يحفر، فدخلت و سلمت و بكيت بكاءا شديدا فقال : ما يبكيك؟ قلت : لما أري، قال : لا تبك لذلك، لا يتم لهم ذلك، فسكن ما كان بي فقال : انه لا يلبث أكثر من يومين، حتي يسفك الله دمه و دم صاحبه الذي رأيته، قال : فوالله ما مضي غير يومين حتي قتل.

ثم سأله عن حديث رسول الله صلي الله عليه و آله المتقدم و أجابه عليه السلام نعم ان لحديث رسول الله صلي الله عليه و آله تأويلا... و ذكره الخ [9] .

3- البحار : عن أبي سالم أن المتوكل أمر الفتح بسبه فذكر الفتح له ذلك، فقال : قل «تمتعوا في داركم ثلاثة أيام» الآية و أنهي ذلك الي المتوكل، فقال : أقتله



[ صفحه 107]



بعد ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكل و الفتح [10] .

و نستنتج من هذه الروايات أنه كيف كانوا يتعاملون مع الامام عليه السلام و يخضعونه للتعذيب النفسي مرة و للسب و الاهانة اخري و الي غير ذلك من سوء المعاملة مع من كان حجة الله في الأرضين.

4- البحار : العمي [11] في كتاب الواحدة قال : حدثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي صديق مؤدب لولد بغا [12] .

قال : فقلت : يا رسول الله و من ذلك الرجل؟ قال : الذي خلصته من السباع، فقلت : يا رسول الله سل ربك أن يطيل عمري، فرفع [13] يده نحو السماء، و قال : اللهم أطل عمره، و أنسي ء في أجله، فقلت : يا رسول الله خمس و تسعون سنة، فقال : خمس و تسعون سنة.

فقال رجل كان بين يديه : و يوقي من الآفات؛ فقال النبي صلي الله عليه و آله : و يوقي من الآفات، فقلت للرجل : من أنت؟ فقال : أنا علي بن أبي طالب، فاستيقظت من نومي، و أنا أقول : علي بن أبي طالب.

و كان بغا كثير التعطف و البر علي الطالبيين، فقيل له : من [14] كان ذلك الرجل الذي خلصته من السباع؟ قال : كان اتي المعتصم بالله برجل قد رمي ببدعة، فجرت بينهم في الليل مخاطبة في خلوة، فقال لي المعتصم : خذه فألقه الي السباع، فأتيت بالرجل الي السباع لالقيه اليها، و أنا مغتاظ عليه، فسمعته يقول : اللهم انك تعلم أني ما تكلمت الا فيك، و لا نصرت الا دينك، و لا اتيت الا من توحيدك، و لم ارد [بذلك] غيرك تقربا اليك بطاعتك، و اقامة الحق علي من خالفك، أفتسلمني؟.

قال : فارتعدت و داخلني له رقة، و علي قلبي منه وجع، فجذبته عن طرف بركة السباع، و قد كدت أن أزخ به فيها، و أتيت به الي حجرتي فأخفيته [فيها] و أتيت المعتصم فقال : هيه؟ فقلت : ألقيته، قال : فما سمعته يقول؟ قلت : أنا أعجمي و كان يتكلم بكلام عربي ما كنت أعلم ما يقول؟ و قد كان الرجل أغلظ للمعتصم في خطابه.

فلما كان في السحر قلت للرجل : قد فتحت الأبواب و أنا مخرجك مع رجال الحرس، و قد آثرتك علي نفسي، و وقيتك بروحي، فاجهد ألا تظهر في أيام المعتصم، قال : نعم، قلت : فما خبرك؟ قال : هجم رجل من عماله في بلادنا علي ارتكاب المحارم و الفجور، و اماتة الحق و نصر الباطل، فسري ذلك الي فساد الشريعة، و هدم التوحيد، فلم أجد عليه ناصرا، فهجمت عليه في ليلة فقتلته، لأن جرمه كان مستحقا في الشريعة أن يفعل به ذلك، فأخذت فكان ما رأيت - مروج الذهب 4 : 184 - البحار 50 : 218 / 5. أو وصيف، الشك مني، فقال لي : قال لي



[ صفحه 108]



الأمير منصرفه من دار الخليفة : حبس أميرالمؤمنين هذا الذي يقولون ابن الرضا اليوم، و دفعه الي علي بن كركر، فسمعته يقول : أنا أكرم علي الله من ناقة صالح «تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب» و ليس يفصح بالآية و لا بالكلام. أي شي ء هذا؟ قلت أعزك الله توعد، أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيام.

فلما كان من الغد أطلقه و اعتذر اليه، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه باغر و يغلون و أوتامش [15] و جماعة معهم فقتلوه و أقعدوا المنتصر ولده خليفة [16] .

و من جملة المضايقات علي الامام عليه السلام هي منع السلطات القواعد الشعبية من اللقاء به، و التحدث معه، و فصله عنهم، حتي كانوا يأتون و يترصدون مظان تواجده و لو عند باب المتوكل ليشاهدوه كما في هذه الرواية.

عن أبي القاسم بن القاسم، عن خادم علي بن محمد عليهماالسلام قال : كان المتوكل يمنع الناس من الدخول الي علي بن محمد، فخرجت يوما و هو في دار المتوكل فاذا جماعة من الشيعة جلوس خلف الدار، فقلت : ما شأنكم جلستم ها هنا قالوا : ننتظر انصراف مولانا لننظر اليه و نسلم عليه و ننصرف، قلت لهم : اذا رأيتموه تعرفونه؟ قالوا : كلنا نعرفه.

فلما وافي أقاموا اليه فسلموا عليه، و نزل فدخل داره، و أراد أولئك الانصراف، فقلت : يا فتيان اصبروا حتي أسألكم أليس قد رأيتم مولاكم؟ قالوا : نعم، قلت :



[ صفحه 109]



فصفوه، فقال واحد : هو شيخ أبيض الرأس مشرب بحمرة، و قال آخر : لا تكذب ما هو الا أسمر أسود اللحية، و قال الآخر : لا لعمري ما هو كذلك هو كهل ما بين البياض و السمرة، فقلت : أليس زعمتم أنكم تعرفونه انصرفوا في حفظ الله [17] .

و لما تطرقنا حول ظلم و جور الطاغية المتوكل يجدر بنا أن نذكر مواجهة جريئة لأحد أولاد محمد بن الحنفية يتحدي بها المتوكل و هي كما جاء في البحار : عن ابن قولويه باسناده الي محمد بن العلاء السراج قال : أخبرني البختري قال : كنت بمنبج [18] بحضرة المتوكل، اذ دخل عليه رجل من أولاد محمد بن الحنفية حلو العينين، حسن الثياب، قد قرف عنده بشي ء فوقف بين يديه و المتوكل مقبل علي الفتح يحدثه.

فلما طال وقوف الفتي بين يديه و هو لا ينظر اليه قال له : يا أميرالمؤمنين ان كنت أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب، و ان كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا.

فقال له المتوكل : و الله يا حنفي لولا ما يثنيني [19] عليك من أوصال الرحم و يعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك بيدي، و لفرقت بين رأسك و جسدك و لو كان بمكانك محمد أبوك، قال : ثم التفت الي الفتح فقال : أما تري ما نلقاه من آل أبي طالب؟ اما حسني يجذب الي نفسه تاج عز نقله الله الينا قبله، أو حسيني يسعي في نقض ما أنزل الله الينا قبله، أو حنفي يدل [20] بجهله أسيافنا علي سفك دمه.

فقال له الفتي : و أي حلم تركته لك الخمور و ادمانها؟ أم العيدان و فتيانها، و متي عطفك الرحم علي أهلي و قد ابتززتهم فدكا ارثهم من رسول الله صلي الله عليه و آله فورثها أبوحرملة، و أما ذكرك محمدا أبي فقد طفقت تضع عن عز رفعه الله و رسوله، و تطاول



[ صفحه 110]



شرفا تقصر عنه و لا تطوله، فأنت كما قال الشاعر :



فغض الطرف انك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا



ثم ها أنت تشكولي علجك هذا ما تلقاه من الحسني و الحسيني و الحنفي فلبئس المولي و لبئس العشير.

ثم مد رجليه ثم قال : هاتان رجلاي لقيدك، و هذه عنقي لسيفك، فبوء باثمي و تحمل ظلمي فليس هذا أول مكروه أوقعته أنت و سلفك بهم، يقول الله تعالي «قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي» [21] فو الله ما أجبت رسول الله صلي الله عليه و آله عن مسألته، و لقد عطفت بالمودة علي غير قرابته، فعما قليل ترد الحوض، فيذودك أبي و يمنعك جدي صلوات الله عليهما.

قال : فبكي المتوكل ثم قام فدخل الي قصر جواريه، فلما كان من الغد أحضره و أحسن جائزته و خلي سبيله [22] .


پاورقي

[1] كمال الدين و الدمعة الساكبة : الرزاقي، و في معاني الأخبار : الزراقي، و لعل ما اثبتناه هو الأصح، لان حاجب المتوكل كان زرافة كما في الخبر المتقدم.

[2] ذكر العلامة المجلسي (قده) بيانا قال فيه : أي صرت متفكرا فيما تقدم من الأمور و ما تأخر منها، فاهتممت لها جميعا، و الحاصل اني تفكرت فيما يترتب علي مجيئي من المفاسد، فندمت علي المجي ء.

و يحتمل أن يكون فأخذ بي بالباء أي سأل عني سؤالات كثيرة عما تقدم و عما تأخر فظننت أنه تفطن بسبب مجيئي فندمت.

[3] معاني الأخبار : فاوجي ء، و في الدمعة الساكبة : فنحي، و (فوحي الناس) أي اشار اليهم أن يبعدوا عنه، و يمكن أن يقرأ الناس بالرفع أي أسرع الناس في الذهاب، فان الوحي يكون بمعني الاشارة و بمعني الاسراع - البحار.

[4] أثبتناه من كمال الدين و معاني الأخبار، و في البحار : لخير ما، و في الدمعة الساكبة : بخير.

[5] ليس في كمال الدين.

[6] ما بين المعقوفتين أثبتناه من كمال الدين.

[7] أثبتناه من كمال الدين و معاني الأخبار، و في البحار : تجمع.

[8] البحار 50 : 194 / 6 - كمال الدين 2 : 382 - معاني الأخبار : 123.

[9] البحار 50 : 195 / 7.

[10] البحار 50 : 204.

[11] هو أبومحمد الحسن بن محمد بن جمهور العمي بصري ثقة في نفسه، ينسب الي بني العم من تميم... ذكره أصحابنا بذلك و قالوا : كان أوثق من أبيه و أصلح - هامش البحار.

[12] كان بغا من الأتراك من غلمان المعتصم، يشهد الحروب العظام، و يباشرها بنفسه، فيخرج منها سالما، و لم يكن يلبس علي بدنه شيئا من الحديد، فعذل في ذلك، فقال : رأيت في نومي النبي صلي الله عليه و آله و معه جماعة من أصحابه فقال : يا بغا أحسنت الي رجل من امتي فدعي لك بدعوات استجيبت له فيك.

[13] البحار : فشال.

[14] البحار : ما.

[15] أثبتناه من مروج الذهب، و في البحار و المصدر : يا غز و يغلون و تامش.

[16] البحار 50 : 189 / 1 - اعلام الوري : 346.

[17] البحار 50 : 148 / 33 .

[18] منبج : بالفتح ثم السكون و باء مكسورة : هو بلد قديم بينه و بين حلب عشرة فراسخ، منها البحتري (معجم البلدان : 5 / 205).

[19] يثنني من ثنيت الشي ء اذا حنيته و عطفته و طويته، و انثني : أي انعطف (اللسان : ثني).

[20] يدل : من دل علي قومي أي جرأهم (اللسان : دلل) و المراد هنا : يجري ء.

[21] الشوري : 23.

[22] البحار50 : 213 / 25.