بازگشت

بداية النهاية للمتوكل


لما كان في يوم الفطر من السنة التي قتل فيها المتوكل أمر بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجل له أبوالحسن عليه السلام فترجل بنوهاشم و ترجل عليه السلام فاتكأ علي رجل من مواليه، فأقبل عليه الهاشميون فقالوا له يا سيدنا ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله، فقال لهم أبوالحسن عليه السلام : في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي الله من ناقة ثمود، لما عقرت ضج الفصيل الي الله، فقال الله «تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب» [1] فقتل المتوكل في اليوم الثالث.



[ صفحه 111]



و روي : أنه قال و قد أجهده المشي : أما انه قد قطع رحمي قطع الله أجله [2] .

و حان حينه و ذلك في ليلة الأربعاء لثلاث ساعات خلت من الليل، و قد قعد للشراب مع وزيره الفتح بن خاقان، و سكر سكرا شديدا، فلما عمل فيه غني من حضره من المغنين صوتا استحسنه، ثم التفت الي الفتح فقال : يا فتح؟ ما بقي أحد سمع هذا الصوت من مخارق [3] غيري و غيرك.

و كان من عاداته أنه اذا تمايل عند سكره أن يقيمه الخدم الذين عند رأسه.

قال البحتري : فبينما نحن كذلك و مضي نحو ثلاث ساعات من الليل اذ أقبل باغر و معه عشرة نفر من الأتراك و هم متلثمون و السيوف في أيديهم تبرق في ضوء تلك الشمع، فهجموا علينا، و أقبلوا نحو المتوكل حتي صعد باغر و آخر معه من الأتراك علي السرير فصاح بهم الفتح : ويلكم! مولاكم.

فلما رآهم الغلمان و من كان حاضرا من الجلساء و الندماء تطايروا علي وجوههم، فلم يبق أحد في المجلس غير الفتح و هو يحاربهم و يمانعهم.

قال البحتري : فسمعت صيحة المتوكل و قد ضربه باغر بالسيف الذي كان المتوكل دفعه اليه علي جانبه الأيمن فقده الي خاصرته، ثم ثناه علي جانبه الأيسر ففعل مثل ذلك.

و أقبل الفتح يمانعهم عنه فبعجه واحد منهم بالسيف الذي كان معه في بطنه فأخرجه من متنه، ثم طرح بنفسه علي المتوكل، فماتا جميعا، فلفا في البساط الذي قتلا فيه، و طرحا ناحية، و كان ذلك لثلاث خلون من شوال سنة سبع و أربعين و مائتين، و قيل : لأربع خلون منه [4] .



[ صفحه 112]



و هكذا تطوي أيام مليئة بالمآسي و الجرائم من حياة طاغية من طواغيت التاريخ ألا و هو المتوكل العباسي عليه لعائن الله.

و من ثم بويع لابنه محمد بن جعفر المنتصر و ملك ستة أشهر و مات في ربيع الآخر لخمس خلون منه سنة ثمان و أربعين و مائتين، و بويع لأحمد بن محمد بن المعتصم المستعين بالله، و ملك قرابة أربع سنين و مات لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين و خمسين و مائتين، و قد خلع نفسه قبل موته بعشرة أشهر، ثم بويع للمعتز، و هو الزبير بن جعفر المتوكل في سنة اثنتين و خمسين و مائتين و ذلك في اثنتين و ثلاثين سنة من امامة أبي الحسن عليه السلام، و كانت خلافته أربع سنين و ستة أشهر، و قد خلع نفسه لثلاث بقين من رجب سنة خمس و خمسين و مائتين، و مات بعد أن خلع نفسه بستة أيام [5] .

و رغم ابتعاده عليه السلام عن مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و انسه بها الا أنه شغف بمدينة سر من رأي عند ما حل بها و كره مغادرتها كما ورد في الخبر :

عن المنصوري عن عم أبيه قال : قال يوما الامام علي بن محمد عليهماالسلام : يا أباموسي أخرجت الي سر من رأي كرها و لو اخرجت عنها أخرجت كرها قال : قلت : و لم يا سيدي؟ قال : لطيب هوائها، و عذوبة مائها، و قلة دائها، و أورده في المناقب أيضا و زاد بعده شعرا :



دخلنا كارهين لها فلما

ألفناها خرجنا مكرهينا



ثم قال : تخرب سر من رأي حتي يكون فيها خان و بقال للمارة، و علامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي [6] .


پاورقي

[1] هود : 65.

[2] اثبات الوصية : 255.

[3] هو مخارق أبو المهنأ ابن يحيي الجزار، امام عصره في فن الغناء، و من اجمل الناس صوتا، كان الرشيد العباسي معجبا به حتي أنه أقعده معه علي السرير، أخباره كثيرة توفي بسر من رأي - هامش مروج الذهب.

[4] مروج الذهب 4 : 136 و 139.

[5] مروج الذهب 4 : 148 الي 190.

[6] البحار 50 : 129 / 8 - المناقب 4 : 417.