بازگشت

مخاطبا


«و لا تحفل بالنوائب، و لا تهن عند الشدائد، و لا تحجم عن محارب أفك...».

ان من أبرز صفات الامام عليه السلام أنه كان كالجبل لا تهزه العواصف، و لا يحفل بالنوائب التي داهمته، كما أنه لم يحجم عن محاربة الافك و العدوان... و يأخذ الامام عليه السلام في بيان صفات جده فيقول:

«و أنت القائل: لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة، و لا تفرقهم عني وحشة، و لو أسلمني الناس جميعا...

و ظاهرة أخري من صفات الامام أميرالمؤمنين عليه السلام هو تمسكه بالحق و العدل فلم يحفل بأي شي ء آخر من المظاهر الخادعة، فاجتماع الجماهير حوله لا تزيده عزة، كما أن تفرقهم عنه لا تزيده وحشة، و لو تخلي عنه الناس جميعا فان ذلك لا يحزنه، و انما الذي يرضي به ضميره هو شيوع العدل، و نشر الحق بين الناس.

5- كما حفلت هذه الزيارة بعرض حادثة الغدير التي بايع فيها المسلمون الامام أميرالمؤمنين خليفة عليهم و اماما لهم قال عليه السلام:

«ان الله تعالي استجاب لنبيه صلي الله عليه و آله فيك دعوته، ثم أمره باظهار ما أولاك لأمته اعلاء لشأنك، و اعلانا لبرهانك، و دحضا للأباطيل، و قطعا للمعاذير فلما اشفق من فتنة الفاسقين، و اتقي فيك المنافقين أوحي اليه رب العالمين (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته، و الله يعصمك من الناس) فوضع علي نفسه أوزار المسير، و نهض في رمضاء الهجير فخطب و اسمع و نادي فأبلغ ثم سألهم أجمع فقال: هل بلغت؟ فقالوا: اللهم بلي، فقال: اللهم اشهد، ثم قال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: بلي، فأخذ بيدك، و قال: من كنت مولاه



[ صفحه 146]



فهذا علي مولاه، اللهم و ال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، فما آمن بما أنزل الله فيك علي نبيه الا قليل، و لا زاد أكثرهم غير تخسير...».

ان يوم الغدير جزء من رسالة الاسلام لا تستغني عنه الحياة الاسلامية بحال من الأحوال فقد ضمن الرسول صلي الله عليه و آله من بعده لأمته قيادتها الروحية و الزمنية، و لم يتركها تتعثر في مسيرتها تتقاذفها أمواج من الفتن و الاضطراب، لقد عين لها القائد، و بايعته الأمة في يوم الغدير اماما و حاكما، و نزل قوله تعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا).

6- و تعرض الامام الهادي عليه السلام في زيارته الي ما مني به جده الامام أميرالمؤمنين عليه السلام من المحن و الخطوب قال و مخاطبا له:

«ثم محنتك يوم صفين و قد رفعت المصاحف حيلة و مكرا، فأعرض الشك، و عرف الحق، و اتبع الظن، اشبهت محنة هارون اذ أمره موسي علي قومه فتفرقوا عنه، و هارون ينادي بهم، و يقول: (يا قوم انما فتنتم به و ان ربكم الرحمن فاتبعوني و أطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتي يرجع الينا موسي) و كذلك أنت لما رفعت المصاحف قلت: يا قوم انما فتنتم بها و خدعتم فعصوك و خالفوا عليك، و استدعوا نصب الحكمين فأبيت عليهم و تبرأت الي الله من فعلهم، و فوضته اليهم فلما أسفر الحق و سفه المنكر، و اعترفوا بالزلل و الجور عن القصد اختلفوا من بعده، و ألزموك علي سفه التحكيم الذي أبيته، و أحبوه و حظرته و أباحوا ذنبهم الذي اقترفوه، و أنت علي نهج بصيرة و هدي و هم علي سنن ضلالة و عمي، فما زالوا علي النفاق مصرين، وفي الغي مترددين حتي اذاقهم الله و بال أمرهم، فأمات بسيفك من عاندك فشقي و هوي و أحيي بحجتك من سعد فهدي صلوات الله عليك غادية و رائحة و عاكفة و ذاهبة، فما يحيط المادح وصفك، و لا يحيط الطاعن



[ صفحه 147]



فضلك...».

ان من أعظم المحن و الأزمات التي طافت بالامام أميرالمؤمنين عليه السلام هي حيلة رفع المصاحف التي نسفت الانتصارات الباهرة التي أحرزها جيش الامام عليه السلام فقد أشرف علي الفتح، و القضاء علي القوي الباغية التي استهدفت في حربها تحطيم الاسلام و لف لوائه.

و قد استجاب لدعوة التحكيم حثالة من الجهلة الذين لم يعوا الاسلام، و لم تتفتح عقولهم فأعلنوا التمرد و العصيان، و شهروا سيوفهم في وجه الامام عليه السلام، و أعلنوا مناجزتهم له ان لم يستجب لهذه الدعوة الهزيلة، و لم يجد الامام الممتحن بدا من اجابتهم فأوقف الحرب، و قد طويت بذلك حكومة العدل، و انتصر معاوية، فعم الظلم و الجور و الاستبداد.

و لما استبان لأولئك الحمقاء خداع معاوية في رفعه للمصاحف خفوا مسرعين الي الامام يطلبون منه اعلان التوبة، و الاعتراف بالذنب لأنه أجابهم الي طلب الصلح، فامتنع الامام عليه السلام لأنه لم يقترف أي ذنب في حياته الطاهرة المليئة بالحسنات و المبرات للاسلام و المسلمين، و لما امتنع الامام من اجابتهم ناجزوه الحرب فكانت واقعة النهروان التي جرت للمسلمين الكثير من المصاعب و المشاكل السياسية، و أخلدت لهم الفتن و الخطوب.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن الزيارة (الغديرية) التي هي من أروع زيارات الأئمة و أكثرها أصالة و ابداعا.