بازگشت

استشهاد الإمام الجواد


إن تقريب الإمام الرضا (عليه السلام) والعهد إليه بولاية الأمر من قبل المأمون العباسي وكذا ما كان من المأمون تجاه الإمام الجواد(عليه السلام) يعبر عن دهاء سياسي في التعامل مع أقوي معارضي الدولة، حيث يمتلك الإمامان القواعد الشعبية الواسعة مما كان يشكل خطراً علي كيان الدولة، فكان تصرّف المأمون معهما من أجل تطويق الخطر المحدق بالكيان السياسي للدولة العباسية وذلك من خلال عزل الإمام (عليه السلام) عن قواعده للحدّ من تأثيره في الاُمة، فتقريبه للامام (عليه السلام) يعني إقامة جبرية، ومراقبة دقيقة تحصي عليه حتي أنفاسه وتتعرّف علي مواليه ومقربيه، لمتابعتهم والتضييق عليهم.

قال محمد بن علي الهاشمي: دخلت علي أبي جعفر (عليه السلام) صبيحة عرسه ببنت المأمون ـ أي أم الفضل ـ وكنت تناولت من أول الليل دواء فأوَّل من دخل في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبوجعفر (عليه السلام) في وجهي وقال: أراك عطشاناً قلت: أجل قال: يا غلام اسقنا ماء فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، واغتممت لذلك، فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثمَّ قال: يا غلام ناولني الماء فتناول وشرب، ثمَّ ناولني الماء وشربت [1] .

فقال محمد بن علي الهاشمي لمحمد بن حمزة: والله إني أظن أن أبا جعفر (عليه السلام) يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة [2] .

فالهاشمي هذا ليس من شيعة الإمام (عليه السلام)، غير انه كان يدرك ما يدور



[ صفحه 61]



في خلد العباسيين ويعرف وسائلهم في التخلص من معارضيهم، وربّما يستفاد من قوله هذا تأكيد أن الإمام الرضا (عليه السلام) قد مضي مسموماً من قبل المأمون.

وروي المسعودي: أنّ المعتصم وجعفر بن المأمون دبّرا حيلة للتخلص من الإمام الجواد(عليه السلام)، فاتفق جعفر مع اُخته أم الفضل ـ زوج الإمام الجواد (عليه السلام) ـ أن تقدّم له عنباً مسموماً، وقد فعلت ذلك وأكل منه الإمام(عليه السلام)، فندمت وجعلت تبكي فقال لها الإمام(عليه السلام): ما بكاؤك! والله ليضربنك الله بفقر لا ينجلي وبلاء لا ينستر... فبليت بعلّة فأنفقت مالها وجميع ملكها علي تلك العلّة حتي احتاجت إلي رفد الناس ـ أي معونتهم ـ وقد تردي أخوها جعفر في بئر فاُخرج ميتاً وكان سكراناً.

ويروي أن ابن أبي داود القاضي كان السبب لقتل الإمام(عليه السلام) وكان سبب وشايته: أنّ سارقاً جاء إلي الخليفة، وأقرّ علي نفسه بالسرقة وسأل الخليفة أن يطهّره بإقامة الحد عليه، فجمع المعتصم الفقهاء وسألهم عن مكان قطع اليد لإقامة الحد علي السارق هذا فاختلفوا في مكان القطع فالبعض قال من المرفق، وآخر قال من الكرسوع، واستشهدوا بآيات من القرآن الكريم تأولاً بغير علم، فالتفت المعتصم إلي الإمام (عليه السلام) وقال: ما تقول يا أبا جعفر؟ قال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين. قال: دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟ قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرتني بما عندك فيه، فقال: إذا أقسمت عليّ بالله، إني أقول: إنهم أخطأوا فيه السنّة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل الاصابع فيترك الكف. قال: لِمَ؟ قال لقول رسول الله(صلي الله عليه وآله): السجود علي سبعة اعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالي:



[ صفحه 62]



(وأن المساجد لله) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله احداً)وما كان لله لم يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف.

قال زرقان: إن ابن أبي داود قال لي: صرت إلي المعتصم بعد ثالثة فقلت: إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة، وأنا أُكلمه بما أعلم أني أدخل به النار قال: ما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من اُمور الدين فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك. وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه، وكتّابه وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الاُمة بإمامته ويدّعون أنه اولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء.

قال ابن أبي داود: فتغير لونه ـ أي المعتصم ـ وانتبه لما نبّهته له، وقال:

جزاك الله عن نصيحتك خيراً...» [3] .

من هنا نُدرك أنّه كيف اندفع المعتصم للتآمر علي الإمام الجواد (عليه السلام) مع جعفر ابن المأمون واخته أم الفضل فلا تعارض بين هاتين

الروايتين والحال هذه.



[ صفحه 65]




پاورقي

[1] الكافي: 1 / 495 و496.

[2] اُصول الكافي: 1 / 495 ح 6 ب 132 وعنه في الارشاد: 2 / 291.

[3] تفسير العياشي: 1 / 319، مدينة المعاجز: 7 / 403، بحار الأنوار: 76 / 191.