بازگشت

حوار بين الامام و الفتح و يعرفه شأنه و شأن أولياء الله قبله


قال (فتح بن بزيد الجرجاني): ضمني و أباالحسن عليه السلام الطريق حين منصرفي من مكة الي خراسان و هو صائر الي العراق، فسمعته و هو يقول: «من اتقي الله يتقي، و من أطاع الله يطاع».

قال: فتلطفت في الوصول اليه فسلمت عليه، فرد علي السلام



[ صفحه 155]



و أمرني بالجلوس، و أول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح (من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، و ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه، و أني يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و الأبصار عن الاحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالي عما ينعته الناعتون، نأي في قربه، و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، و في قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال كيف و أين الأين فلا يقال أين؟ اذ هو منقطع الكيفية و الأينية، هو الواحد الأحد الصمد، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، فجل جلاله، أم كيف يوصف بكنهه محمد صلي الله عليه و آله و سلم و قد قرنه الجليل باسمه، و شركه في عطائه و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته اذ يقول: (و ما نقموا الا أن أغناهم الله و رسوله من فضله). [1] .

و قال: يحكي قول من ترك طاعته و هو يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها: (يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا). [2] .

أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم). [3] .

و قال: (ولو ردوه الي الرسول و الي أولي الأمر منهم). [4] .

و قال: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها). [5] .

و قال: (فسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون). [6] .



[ صفحه 156]



يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله و الرسول و الخليل و ولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا أفضل الأنبياء، و خليلنا أفضل الأخلاء، و وصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، و كنيتهما أفضل الكني و أجلاها، لو لم يجالسنا الا كفو لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا الا كفو لم يزوجنا أحد، أشد الناس تواضعا و أعظمهم حلما، و أنداهم كفا، و أمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما فاردد اليهم الأمر و سلم اليهم، أماتك الله مماتهم، و أحياك حياتهم، اذا شئت رحمك الله).

قال فتح: فخرجت فلما كان من الغد تلطفت في الوصول اليه، فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت: يا ابن رسول الله أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟

قال عليه السلام: سل و ان شرحتها فلي، و ان أمسكتها فلي، فصحح نظرك، و تثبت في مسألتك، و أصغ الي جوابها سمعك، و لا تسأل مسألة تعنيت، و اعتني بما تعتني به، فان العالم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.

و أما الذي اختلج في صدرك ليلتك فان شاء العالم أنبأك، ان الله لم يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول.

فكلما كان عند الرسول كان عند العالم، و كلما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه، لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته و جواز عدالته.

يا فتح: عسي الشيطان أراد تلبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك و شكك في بعض ما أنبأتك حتي أراد ازالتك عن طريق الله و صراطه المستقيم، فقلت: متي أيقنت أنهم كذا فهم أرباب معاذ الله، انهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله؛ داخرون راغبون، فاذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.



[ صفحه 157]



فقلت له: جعلت فداك فرجت عني و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع في خلدي انكم أرباب.

قال: فسجد أبوالحسن عليه السلام و هو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا.

قال: فلم يزل كذلك حتي ذهب ليلي، ثم قال عليه السلام: يا فتح كدت أن تهلك و تهلك و ما ضر عيسي اذا هلك من هلك فاذهب اذا شئت رحمك الله.

قال: فخرجت و أنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم، و حمدت الله علي ما قدرت عليه.

فلما كان في المنزل الآخر، دخلت عليه و هو عليه السلام متك و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، و قد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا اذ كان ذلك آفة، و الامام غير مأوف!

فقال عليه السلام: اجلس يا فتح، فان لنا بالرسل أسوة كانوا يأكلون و يشربون و يمشون في الأسواق، و كل جسم مغذو بهذا الا الخالق الرازق لأنه جسم الأجسام و هو لم يجسم و لم يجز ابتناءه، و لم يتزايد و لم يتناقص، مبري ء من ذاته ما ركب في ذات من جسمه، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، منشي ء الأشياء، مجسم الأجسام و هو السميع العليم، اللطيف الخبير الرؤوف الرحيم، تبارك و تعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا، لو كان وصف لم يعرف الرب من المربوب، و لا الخالق من المخلوق و لا المنشي ء من المنشأ، ولكنه فرق بينه و بين من جسمه، و شيأ الأشياء اذ كان لا يشبهه شي ء يري و لا يشبه شيئا. [7] .



[ صفحه 158]




پاورقي

[1] سورة التوبة؛ آية: «74».

[2] سورة الأحزاب؛ آية: «66».

[3] سورة النساء؛ آية: «59».

[4] سورة النساء؛ آية: «83».

[5] سورة النساء؛ آية: «58».

[6] سورة الأنبياء؛ آية: «7».

[7] كشف الغمة لابن أبي الفتح الاربلي ج 3 ص 181 - 179.