بازگشت

دور الامام الهادي في التشريع


لقد انصرف الامام ابوالحسن عن السياسة والسياسيين كآبائه الي خدمة الاسلام عن طريق الدفاع عن اصوله و نشر فروعه، فناظر المشككين و الملحدين و أجاب علي اسئلتهم بالاسلوب الهادي ء الرصين المدعوم بالحجة و المنطق، و لم يجتمع اليه احد من اولئك المشككين الا و خرج مقتنعا مؤمنا يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، و فيما يعود الي التشريع كان الرواة و العلماء يراجعونه فيما يشتبه عليهم عن طريق الكتابة، و لعل مرد ذلك الي ان محدثي الشيعة الذين كانوا يتدارسون فقه الأئمة و مروياتهم قد انتشروا في طول البلاد و عرضها و كان لمدينة قم النصيب الأكبر من اولئك الرواة و من مؤلفات اصحاب الصادقين (ع)، هذا بالاضافة الي ان السلطات الحاكمة كانت تضيق علي الأئمة و تراقب جميع تصرفاتهم و تحركاتهم، و قد فرضت عليهم الاقامة الجبرية في عواصم الحكام للحد من التجمعات حولهم، بل و من الاتصال بهم، لذا فان الرواة و العلماء كانوا يتصلون في الغالب بالأئمة الثلاثة الجواد و الهادي و العسكري بالمراسلة و يجد المتتبع لكل واحد منهم عشرات المرويات بهذا الطريق في مختلف الابواب و المواضيع الفقهية، و قد عرضنا بعض الأمثلة من المكاتبات التي كانت ترد علي أبيه خلال حديثنا عن سيرته، و سنعرض بعض بالأمثلة من الرسائل التي وجهت اليه ايضا، و ممن عاصروه



[ صفحه 457]



من الرواة و أخذوا عنه. فمن ذلك ما رواه الكليني في المجلد الرابع من الكافي عن محمد بن يحيي بسنده الي أيوب بن نوح انه قال: كتبت الي أبي الحسن الثالث (ع) ان قوما سألوني عن الفطرة و يسألوني ان يحملوا قيمتها اليك، و قد بعث اليك هذا الرجل عام اول و سألني ان اسألك فنسيت ذلك، و قد بعث اليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم علي قيمة تسعة ارطال بدرهم، فرأيك جعلني الله فداك في ذلك، فكتب (ع): الفطرة قد كثر السؤال عنها و أنا أكره كل ما ادي الشهرة فاقطعوا ذكر ذلك، واقبض ممن دفعها وامسك عمن لم يدفع [1] .

و روي في المجلد الرابع عنه ايضا بسنده الي محمد بن رجاء الارجاني انه قال: كتبت الي الطيب [2] اني كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت اليه لآخذه فاذا انا بآخر ثم بحثت الحصا فاذا أنا بثالث فأخذتها و عرفتها فلم يعرفها احد فما تري في ذلك، فكتب: فهمت ما ذكرت من امر الدنانير فان كنت محتاجا فتصدق بثلثها و ان كنت غنيا فتصدق بالكل.

و روي عنه في المجلد المذكور بسنده الي محمد بن ارومة عمن حدثه عن الصادق ابي الحسن الثالث علي حد تعبير الراوي انه كان يقول في زيارة قبر اميرالمؤمنين (ع): السلام عليك يا ولي الله انت اول مظلوم و أول من غصب حقه و أشهد أنك لقيت الله و أنت شهيد عذب الله قاتلك بأنواع العذاب جئتك عارفا بحقك مستبصرا بشأنك، فاشفع لي الي ربك فان لك عندالله مقاما محمودا معلوما وجاها و شفاعة و قد قال تعالي: (لا يشفعون الا لمن ارتضي).

كنا روي عنه زيارة قبر الحسين (ع) في كربلاء بصيغة لا تختلف كثيرا



[ صفحه 458]



عن الصيغة التي وردت عنه في زيارة اميرالمؤمنين (ع).

و روي عنه ان المجلد الخامس بسنده الي علي بن محمد القاساني انه قال: كتبت الي ابي الحسن الثالث و أنا المدينة سنة احدي و ثلاثين و مائتين:

جعلت فداك رجل امر رجلا يشتري له متاعا او غير ذلك فاشتراه و سرق منه، او قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع من مال الآمر او من مال المأمور، فكتب سلام الله عليه: من مال الآمر.

و في المجلد السادس روي عنه بسنده الي حمدان بن اسحاق انه قال: كان لي ابن تصيبه الحصاة فقيل لي: ليس له علاج الا ان تبطه فبططته فمات فقالت الشيعة لقد شركت في دم ابنك، فكتبت الي ابي الحسن العسكري (ع) في ذلك فوقع: يا احمد ليس عليك فيما فعلت شي ء انما التمست له الدواء و كان اجله فيما فعلت.

و روي عنه في كتاب التجمل من المجلد المذكور بسنده الي أبي هاشم الجعفري انه قال: دخلت علي ابي الحسن صاحب العسكر (ع) فجاء صبي من صبيانه فناوله وردة فقبلها و وضعها علي عينيه ثم ناولنيها و قال: يا اباهاشم من تناول وردة او ريحانة فقبلها و وضعها علي عينيه ثم صل علي محمد و آل محمد الأئمة كتب الله له من الحسنات مثل رمل عالج و محا عنه من السيئات مثل ذلك.

و روي عنه في كتاب الحدود من المجلد السابع بسنده الي جعفر بن رزق الله انه قال: قدم الي المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد ان يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيي بن اكثم: قد هدم ايمانه شركه و فعله، و قال بعضهم يضرب ثلاثة حدود، و كثرت الآراء في حكمه فأمر المتوكل بالكتابة الي ابي الحسن الهادي (ع) و سؤاله عن ذلك، فلما قرأ الكتاب كتب في جوابه: يضرب حتي يموت من الضرب، فأنكر يحيي بن اكثم و فقهاء العسكر ذلك و قالوا: يا اميرالمؤمنين ان هذا لم ينطق به كتاب و لم تجي ء به سنة عن



[ صفحه 459]



رسول الله، فكتب اليه ان فقهاء المسلمين قد انكروا هذا و قالوا لم تجي ء به سنة و لم ينطق به كتاب فبين لنا لم اوجبت عليه الضرب حتي يموت، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فلما احسوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده و كفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده و خسر هنالك الكافرون، فأمر به المتوكل فضرب حتي مات.

و روي في كتاب الايمان و النذور من المجلد المذكور عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن جماعة ان المتوكل كان قد نذر عندما اصيب بوعكة ان يتصدق بمال كثير و لم يعين مقداره، واختلف الفقهاء في تحديد المبلغ اختلافا كبيرا، و لم ينتهوا الي نتيجة، فأشار عليه بعض ندمائه ان يسأل ابالحسن الهادي، فقال له و هو يحس من هذا شيئا، فقال: ان اخرجك من هذا الأمر فلي عليك كذا و كذا، و الا ضربتني مائة مقرعة، فأرسل اليه جعفر بن محمود ليسأله عن حد المال الكثير، و لما سأله عنه اجاب ان الكثير ثمانون، فقال جعفر بن محمود: يا سيدي انه يسألني عن العلة فيه، فقال له ابوالحسن (ع): ان الله عزوجل يقول في كتابه: (و لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين [3] .

الي غير ذلك مما ورد عنه في مجاميع الحديث من الاحاديث الموزعة علي بالمواضيع الفقهية، و يدعي السيد الأمين في اعيان الشيعة ان الخيبري او الحميري له كتاب مكاتبات الرجال عن العسكريين الهادي و ولده الحسن بن علي (ع).

و روي عنه بالاضافة الي من ذكرنا اسحق بن عبدالله الاشعري و كان من خواص ولده ابي محمد العسكري (ع) و روي عن الهادي كتاب علل الصلاة و مسائل الرجال كما جاء في فهرست اسماء المؤلفين للطوسي،



[ صفحه 460]



و ايوب بن نوح و كان وكيلا له و له كتاب و روايات عن ابي الحسن الثالث كما نص علي ذلك في الفهرست، و علي بن بلال البغدادي و له كتاب عنه كما جاء في اتقان المقال للشيخ محمد طه نجف، و علي بن الريان بن الصلت الاشعري القمي له عن ابي الحسن الثالث نسخة، روي عنه عمران بن موسي، و له كتاب منثور الاحاديث، روي عنه علي بن ابراهيم علي حد تعبير الشيخ محمد طه في الاتقان.

و علي بن مهزيار الاهوازي و كان من المختصين به و بأبيه ابي جعفر الجواد و توكل لهما وروي عنهما، و كان ثقة في روايته لا يطعن عليه علي حد تعبير المؤلفين في احوال الرواة و الرجال.

و أحمد بن محمد بن عيسي الاشعري، و كان قد ادرك الرضا و الجواد و الهادي و روي عنهم في مختلف المواضيع الي غير ذلك ممن عاصره و روي عنه من ثقاة المحدثين و فضلائهم و المدافعين عن آثار اهل البيت (ع).



[ صفحه 461]




پاورقي

[1] تشير هذه الرواية الي أن الامام (ع) كان يحاذر من كثرة السؤال خوفا من السلطة التي كانت تراقبه في جميع الحالات.

[2] و قد عناه الارجاني لأنه كان من أصحابه.

[3] يختلف الكثير بحسب الزمان و المكان و المناسبات، لذا فان في النفس شيئا من هذه الرواية بواسطة اشتمالها علي هذا التحديد.