بازگشت

رسالته في مسألة الجبر و التفويض


و مما اثر عنه عليه السلام ما ورد في أهم المسائل الكلامية التي أصبحت مثارا للجدل و البحث و المناورات القولية بين المتخاصمين حولها و هي مسألة الجبر و التفويض



[ صفحه 73]



حيث بين القول الفصل و ما هو الحق و الصواب حرصا منه عليه السلام لرفع الفتنة و دفعا لما اختلج في الأذهان من الاختلاف فيها، و اليك نص الرسالة.

1- البحار و الاحتجاج : و مما أجاب به أبوالحسن علي بن محمد العسكري عليهماالسلام في رسالته الي أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال : اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك : أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها.

فهم في حالة الاجتماع [1] عليه مصيبون، و علي تصديق ما أنزل الله مهتدون، و لقول [2] النبي صلي الله عليه و آله : لا تجتمع امتي علي ضلالة. فأخبر صلي الله عليه و آله أن ما اجتمعت عليه الامة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحق، فهذا معني الحديث لا ما تأوله الجاهلون [3] و لا ما قاله المعاندون من ابطال حكم الكتاب، و اتباع حكم الأحاديث المزورة و الروايات المزخرفة و اتباع [4] الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب، و تحقيق الآيات الواضحات النيرات، و نحن نسأل الله أن يوفقنا للصواب، و يهدينا الي الرشاد.

ثم قال عليه السلام : فاذا شهد الكتاب بتصديق خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الامة و عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة، فصارت بانكارها و دفعها الكتاب كفارا ضلالا، و أصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلي الله عليه و آله حيث قال : اني مستخلف فيكم خليفتين : كتاب الله و عترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.

و اللفظة الاخري عنه في هذا المعني بعينه قوله صلي الله عليه و آله : اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و انهما لم يفترقا حتي يردا علي الحوض أما



[ صفحه 74]



انكم ان تمسكتم [5] بهما لن تضلوا.

فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله : «انما وليكم الله و رسوله و الذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزكوة و هم راكعون» [6] ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام : أنه تصدق بخاتمه و هو راكع فشكر الله ذلك له و أنزل الآية فيه، ثم وجدنا رسول الله صلي الله عليه و آله قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه. و قوله صلي الله عليه و آله : علي يقضي ديني و ينجز موعدي، و هو خليفتي عليكم من بعدي.

و قوله صلي الله عليه و آله حيث استخلفه علي المدينة فقال : يا رسول الله أتخلفني علي النساء و الصبيان؟ فقال : أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي.

فعلمنا أن الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار و تحقيق هذه الشواهد، فلزم [7] الامة الاقرار بها اذا [8] كانت هذه الأخبار وافقت القرآن [9] ، و وافق القرآن هذه الأخبار فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله و وجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقا، و عليها دليلا، كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه الا أهل العناد و الفساد.

ثم قال عليه السلام : و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما، و انما قدمنا ما قدمنا ليكون [10] اتفاق الكتاب و الخبر اذا اتفقا دليلا لما أردناه، و قوة لما نحن مبينوه من ذلك ان شاء الله.



[ صفحه 75]



فقال : الجبر و التفويض بقول [11] الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام عند ما سئل عن ذلك فقال : لا جبر و لا تفويض، بل أمر بين الأمرين [12] .

و قيل : فماذا يا ابن رسول الله؟ فقال : صحة العقل، و تخلية السرب، و المهلة في الوقت، و الزاد قبل [13] الراحلة، و السبب المهيج للفاعل علي فعله، فهذه خمسة أشياء فاذا نقص العبد منها خلة [14] كان العمل عنه مطرحا بحسبه و أنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هي : الجبر، و التفويض، و المنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب المعني للطالب، و يسهل له البحث من شرحه و يشهد به القرآن بمحكم آياته، و يحقق تصديقه عند ذوي الألباب و بالله العصمة و التوفيق.

ثم قال عليه السلام : فأما الجبر : فهو قول من زعم أن الله عزوجل جبر العباد علي المعاصي و عاقبهم عليها، و من قال بهذا القول فقد ظلم الله و كذبه ورد عليه قوله : «و لا يظلم ربك أحدا» [15] و قوله جل ذكره : «ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد» [16] مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم أنه مجبور علي المعاصي فقد أحال بذنبه علي الله عزوجل و ظلمه في عظمته له، و من ظلم ربه فقد كذب كتابه، و من كذب كتابه لزمه (الكفر) باجماع [17] الامة فالمثل المضروب في ذلك : مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك الا نفسه، و لا يملك عرضا من عروض الدنيا، و يعلم مولاه ذلك منه، فأمره علي علم منه بالمصير الي السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملكه ثمن ما يأتيه به، و علم المالك أن علي الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضي به من الثمن، و قد



[ صفحه 76]



وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحكمة و نفي الجور، فأوعد عبده ان لم يأته بالحاجة أن [18] يعاقبه، فلما صار العبد الي السوق، و حاول أخذ الحاجة التي بعثه (المولي للاتيان) [19] بها، وجد عليها مانعا يمنعه منها الا بالثمن، و لا يملك العبد ثمنها، فانصرف الي مولاه خائبا بغير قضاء حاجته [20] ، فاغتاظ مولاه لذلك و عاقبه علي ذلك، فانه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته، و ان لم يعاقبه كذب نفسه، أليس يجب أن لا يعاقبه؟ و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة، تعالي الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا.

ثم قال العالم عليه السلام - بعد كلام طويل - : فأما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام و خطأ من دان به، فهو قول القائل : ان الله عزوجل فوض الي العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم.

و في هذا كلام [21] دقيق لم يذهب الي غوره و دقته الا الأئمة المهدية عليهم السلام من عترة آل الرسول صلوات الله عليهم فانهم قالوا : لو فوض الله أمره اليهم علي جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا به [من] [22] الثواب، و لم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب اذ كان الاهمال واقعا، و تنصرف هذه المقالة علي معنيين : اما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه اختيارهم بآرائهم - ضرورة - كره ذلك أم أحب [23] ، فقد لزمه الوهن، أو يكون جل و تقدس عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي عن ارادته ففوض أمره و نهيه اليهم، و أجراهما علي محبتهم، اذ عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي علي ارادته فجعل الاختيار اليهم في الكفر و الايمان، و مثل ذلك : مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته و يقف عند أمره و نهيه و ادعي مالك العبد أنه



[ صفحه 77]



علي معصيته أليم العقاب، فخالف العبد ارادة مالكه، و لم يقف عند أمره و نهيه، فأي أمر أمره به أو نهي [24] نهاه عنه لم يأتمر علي ارادة المولي، بل كان العبد يتبع ارادة نفسه، و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا علي مولاه و قصد ارادة نفسه و اتبع هواه، فلما رجع الي مولاه نظر الي ما أتاه فاذا هو خلاف ما [25] أمره فقال العبد : اتكلت علي تفويضك الأمر الي فاتبعت هواي و ارادتي لأن المفوض اليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض و التحظير.

[ثم قال عليه السلام : فمن زعم أن الله فوض قبول أمره و نهيه الي عباده فقد أثبت عليه العجز، و أوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر، و أبطل أمر الله تعالي و نهيه] [26] .

ثم قال عليه السلام : ان الله خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر و النهي، و قبل منهم اتباع أمره و نهيه [27] و رضي بذلك لهم [28] ، و نهاهم عن معصيته، و ذم من عصاه و عاقبه عليها، و لله الخيرة في الأمر و النهي يختار ما يريده و يأمر به، و ينهي عما يكره، و يثيب و يعاقب بالاستطاعة التي يملكها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصيه لأنه العدل، و منه النصفة و الحكومة، بالغ الحجة بالاعذار و الانذار، و اليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفي محمدا صلوات الله عليه و آله و بعثه بالرسالة الي خلقه، و لو فوض اختيار اموره الي عباده لأجاز لقريش اختيار امية بن أبي الصلت [29] و أبي مسعود الثقفي [30] اذ كانا عندهم أفضل من محمد صلي الله عليه و آله



[ صفحه 78]



قاهر قادر عزيز حكيم، فأمر عبده و نهاه، و وعده علي اتباع أمره عظيم الثواب و أوعده لما قالوا : «لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم» [31] يعنونهما بذلك، فهذا هو : القول بين القولين ليس بجبر و لا تفويض، بذلك أخبر أميرالمؤمنين عليه السلام حين سأله عباية بن ربعي الأسدي [32] عن الاستطاعة.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية بن ربعي.

فقال له : قل يا عباية، قال : و ما أقول؟.

قال : ان قلت تملكها مع الله قتلتك، و ان قلت : تملكها من دون الله قتلتك.

قال : و ما أقول يا أميرالمؤمنين؟ قال : تقول : تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فان ملككها كان ذلك من عطائه، و ان سلبكها كان ذلك من بلائه، و هو المالك لما ملكك، و المالك لما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول و القوة حيث يقولون : لا حول و لا قوة الا بالله؟.

فقال الرجل : و ما تأويلها يا أميرالمؤمنين؟ قال : لا حول لنا عن [33] معاصي الله الا بعصمة الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله الا بعون الله، قال : فوثب الرجل و قبل يديه و رجليه.

ثم قال عليه السلام : في قوله تعالي : «و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو أخباركم» [34] و في قوله : «سنستدرجهم من حيث لا



[ صفحه 79]



يعلمون» [35] و في قوله : «أن يقولوا ءامنا و هم لا يفتنون» [36] و قوله : «و لقد فتنا سليمان» [37] و في قوله [38] : «فانا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري» [39] و قول موسي عليه السلام : «ان هي الا فتنتك» [40] و قوله : «ليبلوكم في مآ ءاتكم» [41] و قوله : «ثم صرفكم عنهم ليبتليكم» [42] و قوله : «انا بلونهم كما بلونا أصحاب الجنة» [43] و قوله : «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» [44] و قوله : «و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات» [45] و قوله : «و لو يشآء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض» [46] ان جميعها جاءت في القرآن بمعني الاختبار.

ثم قال عليه السلام : فان قالوا : ما الحجة في قول الله تعالي : «يضل من يشآء و يهدي من يشآء» [47] و ما أشبه ذلك؟.

قلنا : فعلي مجاز هذه الآية يقتضي معنيين : أحدهما [أنه اخبار] [48] عن كونه تعالي قادرا علي هداية من يشاء و ضلالة من يشاء، و لو أجبرهم علي أحدهما لم يجب لهم



[ صفحه 80]



ثواب، و لا عليهم عقاب علي ما شرحناه.

و المعني الآخر : أن الهداية منه التعريف كقوله تعالي : «و أما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي علي الهدي» [49] و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجة علي حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها و تقليدها، و هي قوله : «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغآء الفتنة و ابتغآء تأويله» [50] الآية، و قال : «فبشر عباد - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هديهم الله و أولئك هم أولوا الألباب» [51] وفقنا الله و اياكم لما يحب و يرضي، و يقرب لنا و لكم الكرامة و الزلفي، و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقي، انه الفعال لما يريد، الحكيم [الجواد] [52] المجيد [53] .


پاورقي

[1] الاحتجاج : الاجماع.

[2] البحار : لقول.

[3] اي : ما تأولوه من قولهم بالاجماع في اختيار الامام الذي لم يجعل لهم الله الخيرة فيه - هامش الاحتجاج.

[4] الاحتجاج : اتباع.

[5] الاحتجاج : ما ان تمسكتم.

[6] المائدة : 55.

[7] البحار : فيلزم.

[8] ليس في البحار.

[9] البحار : موافقة للقرآن.

[10] البحار : لكون.

[11] الاحتجاج : يقول.

[12] البحار : بين أمرين.

[13] البحار : من قبل.

[14] الخلة - بضم الخاء - الخصلة - هامش البحار.

[15] الكهف : 49.

[16] الحج : 10.

[17] البحار : باجتماع.

[18] ليس في الاحتجاج.

[19] ليس في الاحتجاج.

[20] الاحتجاج : حاجة.

[21] الاحتجاج : و هذا الكلام.

[22] أثبتناه من البحار.

[23] البحار : أحبه.

[24] ليس في الاحتجاج.

[25] ليس في الاحتجاج.

[26] أثبتناه من البحار.

[27] ليس في البحار.

[28] البحار : منهم.

[29] هو شاعر جاهلي من رؤساء ثقيف و فصحائهم (توفي نحو 630 م) قيل : انه كان من النساك قال بالتوحيد و نبذ الأوثان... الخ - أعلام المنجد : 680.

[30] هو عروة بن مسعود الثقفي كان عاقلا لبيبا يسكن الطائف، و أحد السادة الأربعة في الاسلام و قد بعثته قريش رسولا عنها الي النبي (ص) عام الحديبية و لما رجع الي أصحابه ذكر لهم مقام النبي و عظمته عند أصحابه، ثم قدم علي رسوله الله (ص) مسلما و استأذنه في الرجوع الي قومه، فلما أذن له و رجع الي الطائف دعاهم الي الاسلام فعصوه و قام يؤذن للفجر فرماه رجل بسهم فقتله، و لما بلغ النبي (ص) قتله قال : مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه الي الله تعالي فقتلوه - سفينة البحار 2 : 183.

[31] الزخرف : 31.

[32] هو من أصحاب أميرالمؤمنين (ع)، كما وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الحسن (ع) أيضا - معجم رجال الحديث 9 : 253 - و قد جاء في الاحتجاج : عتابة، و هو تصحيف.

[33] الاحتجاج : من.

[34] محمد : 31.

[35] الأعراف : 182.

[36] العنكبوت : 2.

[37] ص : 34.

[38] الاحتجاج : و قوله.

[39] طه : 85.

[40] الأعراف : 155.

[41] المائدة : 48.

[42] آل عمران : 152.

[43] القلم : 17.

[44] هود : 7.

[45] البقرة : 124.

[46] محمد (ص) : 4.

[47] فاطر : 8 - و قد وردت في جميع المصادر هكذا (يهدي من يشاء و يضل من يشاء) و لم ترد هكذا في القرآن.

[48] أثبتناه من البحار.

[49] حم السجدة : 17.

[50] آل عمران : 7.

[51] الزمر : 17 و 18.

[52] أثبتناه من البحار.

[53] الاحتجاج : 450 - البحار20 / 30 ، و قد أورده المجلسي مفصلا في الباب 2 ص 68 أيضا نقلا عن تحف العقول.