بازگشت

ما قيل في مديحه و مراثيه


لقد قام أصحاب القرائح الحرة و الضمائر الحية الذي نطق روح القدس علي ألسنتهم بسرد القصائد في مدح من مدحهم الله في كتابه العزيز، اولئك الذين استحقوا المدح و التمجيد لكونهم أصحاب النفوس السامية و الأرواح المطهرة و الصفات الحميدة، و من أولئك الشعراء هو أبو الغوث المنبجي، كما عن المقتضب لابن عياش عن العبادي قال : أنشدني الحسن بن مسلم أن أباالغوث المنبجي شاعر آل محمد صلوات الله عليهم أنشده بعسكر سر من رأي، قال الحسن : و اسم أبي الغوث أسلم بن محرز من أهل منبج، و كان البحتري يمدح الملوك و هذا يمدح آل محمد صلي الله عليهم، و كان البختري أبوعباد ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث :



ولهت الي رؤياكم و له الصادي

يذاد عن الورد الروي بذواد



محلي عن الورد اللذيذ مساغه

اذا طاف وراد به بعد وراد



فأعلمت فيكم كل هو جاء جسرة

ذمول [1] السري يقتاد في كل مقتاد



أجوب بها بيد الفلا و تجوب بي

اليك و مالي غير ذكرك من زاد



فلما تراءت سر من را تجشمت

اليك فعوم الماء في مفعم الوادي



فآدت الي تشتكي ألم السري

فقلت اقصري فالعزم ليس بمياد



اذا ما بلغت الصادقين بني الرضا

فحسبك من هاد يشير الي هاد



مقاويل ان قالوا بها ليل ان دعوا

وفاة بميعاد كفاة بمرتاد



اذا أوعدوا أعفوا و ان وعدوا وفوا

فهم أهل فضل عند وعد و ايعاد



كرام اذا ما أنفقوا المال أنفدوا

و ليس لعلم أنفقوه من انفاد



[ صفحه 126]



ينابيع علم الله أطواد دينه

فهل من نفاد ان علمت لأطواد



نجوم متي نجم خبا مثله بدا

فصلي علي الخابي المهيمن و البادي



عباد لمولاهم موالي عباده

شهود عليهم يوم حشر و اشهاد



هم حجج الله اثنتي عشرة متي

عددت فثاني عشرهم خلف الهادي



بميلاده الأنباء جاءت شهيرة

فأعظم بمولود و أكرم بميلاد [2] .

و من المراثي لمولانا الامام الهادي عليه السلام مارثاه الصيمري في قصيدة عزي فيها ابنه أبامحمد عليه السلام، و قد أوجزها المجلسي بايراد أبيات منها نقلا عن المقتضب لابن عياش رحمه الله أولها :



الأرض خوفا زلزلت زلزالها

و أخرجت من جزع أثقالها



الي أن قال :



عشر نجوم أفلت في فلكها

و يطلع الله لنا أمثالها



بالحسن الهادي أبي محمد

تدرك أشياع الهدي آمالها



و بعده من يرتجي طلوعه

يظل جواب الفلا أجزالها



ذو الغيبتين الطول الحق التي

لا يقبل الله من استطالها



يا حجج الرحمن احدي عشرة

آلت بثاني عشرها مآلها [3] .

و من القصائد الفريدة التي تناولت حياة الامام الهادي عليه السلام من حيث أبعادها و آثارها هي : التي من رشحات أنفاس علم الأعلام و نابغة الدهر الآية العظمي الشيخ محمد حسين الاصفهاني قدس الله نفسه الزكية، أخذنا مختارا منها :

لقد تجلي مبدأ الايجاد

في غاية الوجود باسم الهادي



أحسن خلق كل شي ء فهدي

و باسمه الهادي اهتدي من اهتدي



ميز بين الماء و السراب

بالعلم الهادي الي الصواب



[ صفحه 127]



فبان وجه الحق ذاتا وصفه

بنير العلم و نور المعرفه



و انفجرت لكل قلب صادي

عين الحياة من محيا الهادي



به حياة عالم الامكان

فانه كالنفس الرحماني



معني الحقيقة المحمدية

و صورة المشية الفعلية



و وجهه في مصحف الامكان

فاتحة الكتاب في القرآن



طلعته مطلع نور النور

و مشرق الشموس و البدور



غرته في افق الامامة

بارقة العزة و الكرامة



نور الهدي و الرشد في جبينه

بحر الندي و الجود في يمينه



و عينه باصرة البصائر

و نورها النافذ في الضمائر



و قلبه في عالم الامكان

كالروح في الأعيان و الأكوان



و هو يمثل النبي الهادي

في بث روح العلم و الارشاد



فانه لكل قوم هاد

كجده المنذر للعباد



هو النقي لم يزل نقيا

و كان عند ربه مرضيا



فهو نقي السر و السريرة

و سر جده بحكم السيرة



و كيف لا و هو ابن من تدلي

في قربه من العلي الأعلي



و بابه باب رواق العظمة

و مستجار الكعبة المعظمة



و هو مطاف الملأ الأعلي كما

تطوف بالضراح أملاك السما



و الحرم الأمن حريم بابه

و البيت منسوب الي جنابه



ملاذ كل حاضر و باد

و كيف لا و الباب باب الهادي



بل هو باب الله من أتاه

فقد أتي الله فما أعلاه



و لست احصي مكرمات الهادي

فانها في العد كالأعداد



[ صفحه 128]



ويل لمن مشاه في ركابه

اساءة منه الي جنابه



و هو ابن من أسري به الجليل

و كان في ركابه جبريل



أفي ركاب العبد يمشي سيده

لا و الذي ينصره يؤيده



فانتصر الله له بالمنتصر

و هكذا أخذ عزيز مقتدر



و كم أساء المتوكل الأدب

أحضره عند الشراب و الطرب



أيطلب الشرب من الامام

و هو ولي عصمة الأحكام



أيطلب الغناء بالأشعار

من معدن الحكمة و الأنوار



أهذه القبائح الشنيعة

بمحضر من صاحب الشريعة



أنزله في أشنع المنازل

و فخر كل منزل بالنازل



من هو عند ربه مكين

فلا عليه أينما يكون



له رياض القدس مأوي و مقر

خان الصعاليك غطاء للبصر



شاهد منه في بني الرسول

ما كاد أن يذهب بالعقول



قاسي الامام من بني العباس

ما ليس في الوهم و في القياس



كم مرة من بعد مرة حبس

و هو بما يراه منهم محتبس



حتي قضي بالغم عمرا كاملا

فسمه المعتز سما قاتلا



قضي شهيدا في ديار الغربه

في شدة و محنة و كربه



بكته عين الرشد و الهدايه

حيث هوي منها أجل رايه



بكاه جده النبي المجتبي

كأنه ضياء عينه خبا



بكته أعين البدور النيره

آباؤه الغر الكرام البرره [4] .

و من القصائد الفريدة في مدح و رثاء مولانا الهادي عليه السلام ما أنشأه السيد



[ صفحه 129]



الهمام و السند القمقام الفائق في البلاغة، و المجدد للفصاحة السيد صالح القزويني النجفي طيب الله ثراه حيث يقول :



لقد مني الهادي علي ظلم جعفر

بمعتمد في ظلمه و الجرائم



أتاحت له غدرا يدا متوكل

و معتمد في الجور غاش و غاشم



و ما كف كف الظلم عنه بيثرب

و مد له شانيه كف المسالم



و اشخص رغما من مدينة جده

الي الرجس اشخاص المعادي المخاصم



و انزل في خان الصعاليك حطة

لشامخ قدر منه سامي الدعائم



و لاقي كما لاقي من القوم أهله

جفاء و غدرا و انتهاك محارم



بنفسي مقيما في أعاديه مكرها

علي الضيم في سوق من الظلم قائم



يبل الثري دمعا لأدمية له

أطلت و ما ابتلت يداه بقائم



و ينظر في ء الله في غير أهله

و أيديهم بالرغم صفر البراجم



و عاش بسامراء عشرين حجة

يجرع من أعداه سم الأراقم



يزيدهم في كل يوم معاجزا

فتزداد أعداء له بالمهاضم



مناقب أمثال المصائب عدها

محال و ان تجهد جميعا العوالم



أري صالحا ولدان عدن و حورها

و أسمعه في الدرج سجع الحمائم



و قد أرعب الست الضراغم فانثنت

مطأطأة في مسحه بالجماجم



و شافي كعيسي أبرصا قبل سؤله

دعاه من الداء العضال الملازم



و لما شكي العافي له ضيق حاله

و ما مسه من ضره المتفاقم



تناول رملا صار تبرا بكفه

و قال به استغن و كن خيركاتم



و لما به استهزي المشعبذ لم يكن

لصورة ليث غير طعمة طاعم



و تسكت اجلالا له عند جعفر

سواجع طير فوق زهر الكمائم



و داوي بماء الورد و الكسب قرحة

له كل عن اصلاحها كل عالم



و نادي سعيدا باسمه متسلقا

علي الدار في جنح من الليل فاحم



غداة سعي الواشي به عند جعفر

بجمع سلاح و ادخار الدراهم



[ صفحه 130]



فلم ير الا بد ره أهديت له

و قد كان مختوما عليها بخاتم



فضم اليها مثلها حين ردها

و قد قرع الواشي به سن نادم



و لما ابتغي فتكا به و هو محضر

له الخزر خروا سجدا لليناسم



و لو لم يروا الأملاك محدقة به

لما ارتدعوا من فتكهم بالصوارم



و مذ حشد الطاغي الجنود مكاثرا

بتل مخالي مرهبا بالملاحم



تلقاه بالأملاك ما بين شرقها

الي الغرب أجنادا له لم تقادم



و ابرز في وقت الظهيرة راجلا

بأمر ظلوم رام اعزاز ظالم



فقال دعاء ليس ناقة صالح

بأعظم عندالله من ولد فاطم



فلم يلبثا الا ثلاثا فأهلكا

هلاك ثمود بارتكاب المآثم



و أخبر بشرا عن امور تضمنت

معاجز لا يحصي لها رقم راقم



و قال لصقر لا عليك و قد بكي

لما خط من قبر بكاء الأيائم



بنفسي مسجونا غريبا مشاهدا

ضريحا له شقته أيدي الغواشم



بنفسي موتورا عن الوتر مغضبا

يسالم أعداء له لم تسالم



بنفسي مسموما قضي و هو نازح

عن الأهل و الأوطان جم المهاضم



بنفسي من تخفي علي القرب و النوي

مواليه من ذكر اسمه في المواسم



بنفسي من عم البرية طوله

قصير يد عن ردع كل مخاصم



بنفسي مصابا ليس ينفك عن حشي

معني و عن طرف علي الخد ساجم



فهل علم الهادي الي الدين و الهدي

بما لقي الهادي ابنه من مظالم



و هل علم المولي علي قضي ابنه

علي بسم بعد هتك المحارم



و هل علمت بنت النبي محمد

رمتها الأعادي في ابنها بالقواصم



ينام الليالي آمنا كل واتر

لأحمد و الموتور ليس بنائم



سقي أرض سامراء منهمر الحيا

و حيا مغانيها هبوب النسائم



معالم قد ضمن أعلام حكمة

بنور هداها يهتدي كل عالم [5] .



[ صفحه 131]



و من قصيدة للعلامة الحجة الواعظ الشهير الحاج الشيخ ميرزا أحمد سيبويه دامت افاضاته



عين جودي علي النقي الهادي

بضعة المصطفي سليل الجواد



عاشر الأوصياء من بعد طه

وارث الأنبياء و الأجداد



حجة الله في جميع البرايا

منبع الجود و العطا و الأيادي



و به سر من رأي كل يوم

في علو و رفعة و سداد



قبره الزائرون يأتون شوقا

حرم الله كعبة القصاد



من دعا فيه لا يخيب حتما

فاز من فيضه بنيل المراد



كم له من معاجز و سجايا

في الوري خارج عن التعداد



بركة للسباع ادخل فيها

و هم في تذلل و انقياد



أخرجوه من المدينة كرها

في صعاليك أنزلوه الأعادي



حر قلبي بمجلس فيه خمر

أدخلوه اللئام و فوق العناد



لم يزل في السجون كان مغيبا

عن أحبائه قريح الفؤاد



رجب قد قضي بسم نقيع

ثالث قد خلون بعد الجمادي



بكت الأرض و السماء عليه

أظلم الكون حين نادي المنادي



مات ابن الرضا خزانة علم

و وقار و هيبة و رشاد



شيعت نعشه الشريف الوف

بنحيب و صرخة و حداد



حسن العسكري فيهم يعزي

بأبيه و سائر الأولاد



و ذيلته بهذه الأبيات :



لهف نفسي علي الحسين صريعا

قد بقي بين جندل و وهاد



تركوه علي الصعيد ثلاثا

عاريا رض جسمه بالعوادي



و بنات الرسول أصبحن أسري

فوق عجف المطي الي الأوغاد



تم بحمد الله و المنه ما قمت بصدده من جمع ما تيسر لي جمعه من حياة الامام الهادي عليه السلام راجيا منه الهداية للسير قدما في ظلاله، و التنعم من فيوضاته و آملا منه



[ صفحه 132]



القبول، و كان الفراغ منه ليلة العشرين من جمادي الآخرة ليلة ولادة الزهراء البتول سلام الله عليها سنة 1409 ه بجوار الروضة الرضوية علي ساكنها الآف الثناء و التحية.


پاورقي

[1] الذميل : كأمير السوق اللين، و منه الذمول يقال : ناقة ذمول - البحار.

[2] البحار 50 : 216 / 4.

[3] البحار 50 : 214.

[4] الأنوار القدسية : 96.

[5] الدمعة الساكبة 8 : 228.